وهنا انتقال من حجة الرسالة الى تجاوبها مع الفطرة : «ومالي»؟ فما هو بالي ووبالي أن اعبد من دون الله ـ الذي فطرني ـ من هو مثلي أو دوني أو من هو فوقي و (لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) وفطرهم ، فما أشنعه ظلما بالحق أن أترك عبادة فاطري إلى عبادة المفطورين مثلي ، أو اشركهم في عبادته (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) دون الذين به تشركون ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
فمالي ، مالي أنجرف هكذا الى شفا جرف هار ، ولا تجاوبه الفطرة ولا العقل ولا دعوات الرسل؟
وهنا «مالي» واجهتان أولاهما سئوال الرجل عن نفسه ، والأخرى سؤال كل ذي فطرة عن فطرته ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يتبنّى الثانية كحجة على الكل ، فلأن رجوعهم إلى الذي فطرهم لا سواه ، فليعبدوه لا سواه ، و «فطرني» تعني فطر الخلق ، وخلقهم على فطرة التوحيد ، فخالقيته لا سواه ، ثم فطرة التوحيد ، ومن ثم الرجوع إلى الفاطر لا سواه أدلة ثلاثة على وجوب عباد الله لا سواه.
(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ)(٢٣).
وهذه حجة رابعة للتوحيد تعني الواجهة السلبية (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) هنا أو في الأخرى (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) أن يشفعوا لي عند الله زعم التوهم الهراء : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) ثم «ولا ينقذون» من ضر الرحمن مستقلين في إغنائهم عني ، فلا هم مستقلون في دفع الضر عني ، ولا هم شركاء شفعاء ، فما تفيدني إذا عبادتهم ، وترفضها قبل ذلك الحجج الثلاث وتمجّها مجّا!
(إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٢٤) ضلال يبين نفسه أنه ضلال ، دونما حاجة إلى اختلاق حجة وتكلّف برهان ، حيث الفطرة تجاوب حق التوحيد