وعلّهم حملة عرش العلم والرحمة : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) فهم دائبون في (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) (يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ ...). تسبيحا بالحمد ، لا حمدا فقط او تسبيحا فقط ، حيث التسبيح سلب لما لا يليق بذاته المقدسة دون إثبات ، والحمد إثبات في معرض الإحباط لقدسية الذات ، ولكنما التسبيح بالحمد هو سلب بلسان الإثبات جامعا بين السلب والإثبات ، وهو الحري في توصيف الذات ، فقولهم إنه عليم ، تسبيح له عن الجهل بإثبات علم ، وتسبيح له عن سائر العلم لسائر الخلق ، يعني أنه ليس بجاهل على الإطلاق ولا بعالم كالعلماء!
(وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) إيمانا صارما واصبا يناسب حملة العرش ومن حوله وتسبيحهم بحمد ربهم ، وقد تلمح (يُؤْمِنُونَ بِهِ) على وضوح الإيمان لهولاء الكرام ، إلى الرد على الذين يتخذونهم أربابا من دون الله من ملائكة ونبيين ، وهل الرب يؤمن بالرب مهما اختلفت الدرجات؟ ام (يُؤْمِنُونَ بِهِ) واحدا لا شريك له فلا يعبد إلّا هو ، فهل يؤمن الشريك بالوحدانية لشريكه؟ وملامح الايمان أيا كان ظاهرة في وحدة الكون وتناسقه ، ووحدة التدبير وترافقه ، ووحدة الوحي بتواتره ، فليس لكلّ من هؤلاء ربوبية بعرشه الخاص ، وانما حمل لعرش العلم والرحمة الى من يشاء من عباده دون خيرة لهم ولا اقتداء ، فإنما هم حملة مأمورون (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ).
(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) وليس لسائر المكلفين إذ لا يغفر إلّا للذين آمنوا ، وليس لأنفسهم علّه لأنهم معصومون لا يعصون ، أو وأن من آداب الدعاء أن يدعو الداعي لغيره متناسيا نفسه ، ثم الله يغفر له كما للمدعوين ، ولكن (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) قد تطارده ، والرسول وهو أفضل حملة العرش يؤمر بتقديم نفسه في الاستغفار ، فقد تعني (وَيَسْتَغْفِرُونَ ...) بعد ما استغفروا لأنفسهم ، ودعاء الاستغفار تختلف عن سائر الدعاء ، فعلى