الداعي أن يصلح نفسه باستغفاره لنفسه حتى يستصلح غيره باستغفاره لهم ، مهما كان الاستغفار عن غير ذنب فإنه استصلاح الاستكمال والدفع عما يطرد ، عصمة عن كل وارد وشارد لا يناسب ساحة النبوة.
حملة العرش ومن حوله (يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) قائلين قبله ما يهيء جو الغفران:
(رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ...) قضية سعة عرش الرحمة والعلم ، فلا تسع الرحمة ما لم يسع العلم ، ولا تفيد سعة العلم ما لم تسع الرحمة (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فسعة العلم والرحمة معا هي التي تسمح لمطلق الغفر والغفر المطلق عن أي ذنب كان ، فلأنه واسع الرحمة والعلم ، لذلك (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ ...) (٥٣ : ٣٣).
ولأنك واسع العلم والرحمة فواسع المغفرة (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) فليست التوبة لفظة تقال ، أم نية تنال ، أم عقيدة كامنة ، فإنها كلها ذرائع لاتباع سبيل الله ، فلا غفران للذين تابوا ولم يتبعوا سبيل الله ، إذ ليست التوبة إلّا عن انحراف السبيل.
وترى إذا كانت رحمته وسعت كل شيء كما علمه فلما ذا يحرم عنها غير المؤمنين؟ إنها وسعت كل شيء إمكانية الشمول دون ضيق أو مضايقة ولكن (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ...) (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ...) (٧ : ١٥٧).
وإذا تم الغفران بالتوبة فقد تمت الوقاية عن عذاب الجحيم ، فما هو إذا موقف (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) بعد «فاغفر»؟ علّها الوقاية دفعا عن العصيان حتى لا يحتاج إلى توبة وغفران ، أم وتعم الدفع والرفع عموما