فهذه الآية ـ إذا ـ هي في عداد الآيات البرزخية ، وهي مع آية نوح (٢١) تعذّب آل فرعون كآل نوح في نار البرزخ الكامنة في الماء ، وكيف بالإمكان وجود نار في الماء تحرق؟ لأنها نار برزخية وهي في أعماق المواد الدنيوية كامنة ، فكما أن البدن البرزخي يختلف عن الدنيوي ، كذلك ناره وجنته ، فهما كامنتان في مكامنهما من مواد دنيوية ، يظهرهما الله لأهليهما في البرزخ دون أن تظهرا لأهل الدنيا إلّا لمن «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا».
فالبرزخ بناره وجنته عالم كامن في عالمنا ، لا يراه إلا أهلوه ، وكما النار كامنة في كافة الذرات لا يحرّرها إلا كاشفو الذرة لحدّ مّا ، ونحن نعيشها في موادنا كلها ، من ماء وثلج أمّاذا؟
وهل إنّ (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) في البرزخ تعنيهما فيما نعيشهما هنا؟ أم فيه غدو وعشي كما يناسبه وكما في الحياة الأخرى : (جَنَّاتِ عَدْنٍ ... وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (١٩ : ٦٢) تقرر للأخرى غدوا وعشيا كما للأولى مهما اختلفتا.
__________________
ـ قال : سألته عن أرواح المشركين فقال : في النار يعذبون يقولون ربنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأولنا ورواه مثله عنه (عليه السلام) عن أبي بصير.
أقول : لعل عرضهم على النار إدخال في نار البرزخ وعرض الاراءة من بعيد على نار الآخرة وكما في الدر المنثور ٥ : ٣٥٤ اخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده من الغداة والعشي ان كان من اهل الجنة فمن اهل الجنة وان كان من اهل النار فمن اهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ، وزاد ابن مردويه (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ثم المقصود من الدنيا قبل القيامة حيث البرزخ في موازاة الدنيا.