لا تخرج كاملة شاملة إلّا بإحيائها بعد موتها ، إذ لا نرى محاصيل أعمالها ومساعيها خيرا أو شرا في أولاها فلتخرج في أخراها.
ففي الحياة بعد الموت أولويتان اثنتان بالنسبة للحياة الدنيا ، أولاها بجنب القدرة الإلهية أنها أهون على الله : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧) وأخراها بجنب العدل والفضل حيث الأولى قضية الفضل والأخرى قضية العدل والفضل.
(وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ)(٣٥).
في حياة الأرض جنات وعيون ، ليأكلوا من ثمر ذلك الإحياء (١) أو الجعل ، أم ثمر الله (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) نفيا واثباتا (٢) ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم كله ، حيث الأرض بأشجارها وعيونها ليست من عملهم ، وإنما يعملون فيها فتثمر لهم أكثر مما عملوا ، و (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) ومن ما عملته أيديهم ، فهنالك ثمر لم تعمله أيديهم وهو الأكثر من كيان الثمر ، وهناك ثمر عملته أيديهم وهو الأقل من محاولات صورية لنضد الثمر ونضجه «أفلا يشكرون» الله فيما أثمر لهم من إحياء الأرض وعمل الأيدي؟ ثم هم وأيديهم ـ كما الأرض ـ من عمله سبحانه «أفلا يشكرون»؟ فيختلقون معاذير كأنها تحيل الحياة بعد الموت : استبعادا لإحياء الموتى؟ (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) ونحييها بعد موتات طول كونها!
أو استحالة لأنه من إعادة المعدوم الممتنعة عقليا؟ وليس المعاد في المعاد إلّا الروح بعينه والبدن بمثله ، والمادة من مادته الأولى ، فكما المعاد في
__________________
(١). الضمير الغائب لا يصلح رجوعه ادبيا ومعنويا الا الى الإحياء المستفاد من أحييناها او لجعل الله المحيي الجاعل.
(٢). «ما» هنا تعني النافية والموصولة معا فالمعنيان معنيّان وهما متقاربان.