وسواه ، ولماذا (وَلَا الْمُسِيءُ) بدلا عن «ولا الذين آمنوا» علّه يعني نفي المساواة بين أفراد «المسيء» بعد نفيها بينه وبين الذين امنوا وعملوا الصالحات بحذف اللّا فيهم عطفا على (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى ...) فقرينة العطف ونفي الإستواء بين المسيء تكفيان دلالة على حذف اللّا عن الذين آمنوا.
فهناك سلوب ثلاثة في الإستواء ثالثها بين أفراد المسيء المنقسم إلى المسيء إيمانا وعملا فأسواهم ، والمسيء إيمانا لا عملا حيث يمكن فسيّئهم ، والمسيء عملا لا إيمانا فأقل سوء ، هم لا يستوون عند الله ، كما لا يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع مثلث المسيء ، وتشبهها (لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) وقد مضت ، واللّااستواء في مطلق الحسنة يعني حسنة الإيمان والعمل الصالح مفردا وجمعا ، وهنا جمع بينهما ، فالاستواء حاصل بينهم لحدّ مّا مهما اختلفت درجاتهم (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ).
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(٥٩) وهذه الأكثرية بين من يعلم ثم يجحد ولا يؤمن (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) ومن لا يعلم متجاهلا حتى يجهل رغم توفر البراهين على أنها آتية لا ريب فيها ، فلأن «لا يؤمنون» يعم «لا يعملون» و «لا يعلمون» ، لذلك يؤتى به دون «لا يعلمون» إضافة إلى أن توفّر البراهين عليه لا تفسح مجالا ل «لا يعلمون» إلّا تجاهلا مهما بلغ حد الجهل ، فإنه جهل من يعلم! (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٤٥ : ٢٦) الجهل ولا سيما المركب منه ـ مصدر البليات كلها ، فالجاهل يسيء إلى نفسه وإلى ذويه ، ويحسب أنه يحسن صنعا فهو من الأخسرين أعمالا.