مطلقة يسكن فيها الجسم عن أي حراك وهو موته وانعدامه ، إذ لا بد للمادة ـ على أية حال ـ من حركة مّا ، ذرّية وفوق الذرية أم دونها ، حيث المادة هي الحركة ، فقرار الأرض وغيرها نسبية جانبية ، وهو هنا في بعدين ، قرّ البرودة وقرّ الاستقرار الراحة لساكنيها ، ومجرد جعل الأرض قرارا دليل أنها كانت غير قرار ، حارة شموسا ثم قرّت وذلّت بعد شماس (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) (٢٧ : ٦١) فأنهار الأرض هي مجعولة بعد قرارها ، فلم يكن قبله ماء أو كلاء لشدة الحرّ الشماس.
ثم و «لكم» تدلنا على قرارها النسبي لساكنيها ، دون سكون أصلي لها ، وعلى حد المروي عن الإمام علي (عليه السّلام) في شأنها «فسكنت على حركتها من أن تميد بأهلها أو أن تسيخ بحملها أو تزول عن مواضعها ...» «وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميدها وذوات الشناخيب الشم من صياخيدها فسكنت من الميدان برسوب الجبال في قطع أديمها» (١) ... فقد عبر عن حركتها المعدّلة بالسكون ، سكونا عن الميدان والاضطراب لحد لا يحس ساكنوها حركاتها! ثم وفي بناء السماء بعد قرار الأرض لمحة ثالثة لمعنى القرار ، أنه السكن الراحة ، وكما يستريح الإنسان في الطائرة دون صوت ولا اضطراب ، يعلم حراكها ولا يلمسه إلّا أن ينظر إلى السحاب حولها والأرض تحتها! وليس قرار الأرض لاستقرار الحياة ـ فقط ـ من خلفيات البرودة وتعديل الحركات ، فهنالك موافقات كثيرة خلّفت ذلك القرار الراحة ، الممكّن للحياة الناضجة المرتاحة.
__________________
(١) نهج البلاغة عنه (عليه السّلام) في خطبتين.