يكونوا شيئا مذكورا ، (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) وهم ذرية في أصلاب آباءهم (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) ولا صراخ مهما كان لآبائهم (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) ...
أو ليس الذي حملكم في الفلك المشحون وأنتم ذرية بقادر على أن يحمل أرواحكم بأجسادكم بعد موتكم في فلك الأرض المشحون ، السابحة في خضمّ الفضاء وأرواحكم هي أرواحكم وأجسادكم من أجسادكم ، يحملكم ليعيدكم فيها مرة أخرى؟ (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ... قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٣٢ : ١١).
فآية القدرة البارعة الإلهية لإمكانية المعاد ، باهرة في (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) رحمة كامنة تظهر يوم المعاد ، كما كانت لذريتهم.
(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) هم أنفسهم ، فبعد ما حملوا في أصلاب آبائهم في الفلك المشحون كنعمة سابقة سابغة ، يحملون هم كآباء حاملين ذريتهم في مثله تداوما في أنسال بني الإنسان.
وهنا «من مثله» دون «مثله» لتعم كافة أمثاله مما يركب. فالمماثلة بين فلك نوح المشحون ، قد تكون تامة ، ولا تعنيه «من مثله» إذ لا مثيل له تاما طول التاريخ الإنساني ، أم غير تامة تلمح لها «من» فقد تكون مماثلة في «المشحون» نسبيا ، أم ـ فقط ـ في كونه فلكا ، أم وحتى أية سفينة أمّاهيه من مركوبات بحرية ، أم ـ فقط ـ في كونه مركوبا بحريا او بريا او جويا ، مصنوعا أم حيوانا وأيّا كان من مركوب طول الزمان وعرض المكان ، فقد تعني «من مثله» كل هذه الأمثال على اختلافها كونا وكيانا.
فالآية ـ إذا ـ على غرار (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) (١٦ : ٨) إذ تشمل ما علّه شملته آية (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ