اللهم إلّا ان يعنى بها هم أنفسهم بجدودهم وأولادهم إلى يوم القيامة ، صيغة واحدة تضم مثلث المعاني مهما اختلفت مراتبها في إطلاق الذرية عليهم ، وهو عبارة أخرى عن النسل الإنساني منذ نوح حتى القيامة الكبرى! وقد لا تلائم الجدود آية الجارية لمكان «كم» أم لا تنافيها حيث «كم» فيها لا تمانع أعم منه هنا.
ف «ذريتهم» إذا لا هم أولادهم ولا جدودهم ، بل هم أنفسهم وقد كانوا ذرية في أصلاب من حمل مع نوح (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٦٩ : ١٢) ولم يحمل المخاطبون هنا في الجارية إلّا وهم ذرية (١) إذا ف «ذريتهم» هنا من إضافة الشيء إلى نفسه وكما في آية الذر (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ...)(٢) (٧ : ١٧٢) حملناهم في الفلك المشحون وهم ذرية ، وكما أنهم كانوا ذرية في الفلك المشحون ، فبأحرى ذريتهم الموجودين والذين يأتون إلى يوم الدين ، إذا ف «ذريتهم» تعني أنفسهم وهم ذرية ، وبضمنهم ذريتهم إلى يوم القيامة حيث الكل حملوا في الفلك المشحون في أصلاب من حمل مع نوح (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً).
وهذه منة ربانية بنعمة بالغة أنه حملهم في الفلك المشحون الجارية ولم
__________________
(١). راجع تفسير آية الجارية الى ج ٢٩ ص (٨٨ ـ ٩٤.
(٢). ف «ذريتهم» في آية الذر ليست لتعني أولادهم ، فان «بني آدم» تشملهم بأولادهم ، ففيما تعني «هم» في «ذريتهم» الآباء فقط من بني آدم ، فالأبناء ايضا آباء لآخرين كما الآباء أبناء للأولين ، فلا يصح «ذريتهم» الا كونها اضافة الشيء الى نفسه ، والمقصود ذرية الأرواح لمكان «اشهدهم» وهي الفطر لأنها أعمق أعماق الأرواح كما النطف اعمق اعماق الأجساد ، فالأرواح تتبنى الفطر كما الأجساد تتبنى النطف والتفصيل راجع الى محله.