(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤٧).
كلمة إيمان يقولها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين آمنوا ، للذين كفروا (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) رزقكم لا لكم ـ فقط ـ أنفسكم بل و (أَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (٥٧ : ٧) (آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) (٣٤ : ٣٣) (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) استنكارا في عجاب من قولة الإيمان ، أن الرزق إنما هو بمشيئة الله ، وليس إنفاقنا ايمانا بل هو شرك بالله واستقلال بجنب الله ، فلو شاء الله لأطعمهم ، دون حاجة إلى مطالبة وسيط والتكدي من عباده المرزوقين ، فإذ لم يطعمهم الله لم يشاء إطعامهم ، فهل نحن أنداد له ألدّاد حتى نخالف مشيئته ، أو نخلفه في رازقيته؟ «إن أنتم» المؤمنين (إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يبينه ذلك الاقتراح الضال ، حيث يمس من كرامة التوحيد والربوبية الوحيدة (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) لا ما سعاه غيره ، فلا يرزق أحد إلّا قدر سعيه ، وأنتم تطالبوننا خلاف هذه السنة الإلهية.
إن حماقى الطغيان لم يشعروا ، أو تجاهلوا الحقيقة الناصعة في الفرق بين المشيئتين : التكوينية والتشريعية ، فقد يشاء الله أن يرزق بسعي أم دون سعي ولا راد لمشيئته ، وهما وجهان من مشيئة التكوين كسنة إلهية اولى في الأرزاق ، وقد يشاء ان ينفق المرزوقون المخلّفون من فضل ما آتاهم ربهم للذين لم يؤتوا قدر الكفاف تحننا وامتحانا ، ولكي يرتبط الخلق برباط العطف والحنان (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) سعيا في طلب الرزق ، وسعيا في إنفاق العفو (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٢ : ٢١٩) وهذا من خالص إيمان التوحيد ، وهنالك تتوارد المشيئتان : التشريعية بالإنفاق ، والتكوينية أن يرزق الفقراء بأيدي الأغنياء.
والحياة الدنيا ككل هي دار ابتلاء بتجاوب المشيئتين ، فمن عصى الله