العملية ، ومن المتوقع أن يصبح نموذجا يحتذى فى عمل دراسات تركيبية من هذا الصنف تتناول الفروع المختلفة لتاريخ الأدب العربى.
وبعد فيمكننا أن نستخلص النتائج الآتية من دراسة هذا الكتاب :
(١) اعتمادا على مادة علمية ضخمة استطاع المؤلف ، دون سائر من سبقوه ، أن يوكد مكانة الحضارة العربية فى تاريخ البشرية والدور المرموق الذى لعبه علم الجغرافيا العربى فى هذا الميدان.
(٢) لقد حالف التوفيق المؤلف إلى أقصى الحدود فى أن يدلل على أن ممثلى حضارات آسيا الوسطى (تركستان) والقوقاز وإيران وتركيا وغيرها من الأقطار الإسلامية قد أسهموا فى تشييد هذه الحضارة وأنه قد برز من بينهم علماء كبار فى ميدان الجغرافيا العربية.
(٣) وأخيرا يتبين لنا أن المؤلف قد انتهج منهجا علميا دقيقا إذ أن دراسته العميقة لجميع الآثار الكبرى فى الأدب الجغرافى قد أثبتت أنه من الممكن استخراج مادة واقعية تساعد إلى حدما فى دراسة المسائل المتعلقة لا بالجغرافيا التاريخية وحدها بل أيضا بعلم الآثار وعلم الأجناس الخ ، وذلك من أكثر المصادر إغرابا وخيالا ، أى كتب «العجائب» Mirabilia. بيد أن أهمية كتاب كراتشكوفسكى لا تقف عند هذا الحد بل تتجاوزه إلى ما أبعد من ذلك ، فهو قد كشف النقاب عن مسائل عديدة يجب أن يعنى العلم السوفيتى ببحثها وإيجاد الحلول لها. ونأمل أن يكون فى نشر هذا الكتاب حافزا قويا إلى ظهور أبحاث عديدة تتناول نقاطه المختلفة.
ومنذ أن فرغ المؤلف من كتابه هذا ظهر عدد من الأبحاث العلمية تتناول موضوعات شتى ، من ذلك ظهور طبعة جديدة لمتن الغرناطى من عمل دوبلرDubler (٧) ، وظهور الترجمة الفرنسية لتاريخ دمشق لابن القلانسى (٨) ، ومقالات عباس العزاوى عن على ريس وتاريخ الفلك فى العراق (٩) ، ودراسة عمر فرّوخ لابن خلدون (١٠) الخ. ولم يكن فى مقدور المؤلف بالطبع أن يطلع عليها جميعها ، وكان من الممكن فى حالات معينة أن تعاون فى استكمال الفصول الخاصة بذلك فى الكتاب. بيد أن الاستقراءات الأساسية التى يمكن استخلاصها من الكتاب لم تتأثر فى جوهرها بظهور تلك الدراسات.
وتعتمد هذه الطبعة على النسخة الأصلية المطبوعة بالآلة الكاتبة ، وروجعت على نسخة المؤلف المكتوبة بخط يده وضمت إليها مجموعة البطاقات التى خلفها المؤلف والتى تحتوى على بعض الزيادات ؛ وقد بذل الناشرون جهدهم فى جمع هذه البطاقات وترتيبها وفقا لحروف المعجم. وتم طبع المتن دون إحداث أية تغييرات ، وفى مواضع متفرقة منه فقط استبدلت بعض ألفاظ بأخرى أو أعيدت صياغتها ابتغاء المزيد من الوضوح. هذا وقد نقلت الحواشى الموجودة فى أسفل الصفحات والتى تشير إلى المراجع عن مخطوطة المؤلف بحذافيرها وتمت مراجعتها على ضوء البطاقات ؛ كما استكمل