مؤلف بالنسبة لعصره يكتب فى موضوعات جغرافية عامة تتجاوز نطاق جزيرة العرب (١٤). ويوكد هذا تلك الاقتباسات التى ينقلها عنه ياقوت مشيرا فى العادة إلى «كتاب أنساب البلدان» (١٥) ؛ وهو يقصد فى أغلب الظن كتاب «اشتقاق البلدان» (١٦) المذكور فى مقدمته ، بل وربما أيضا «كتاب البلدان» الوارد ذكره فى «الفهرست». وهذه الاقتباسات تمس بعض المدن خارج جزيرة العرب مثل الكوفة (١٧) والرها (١٨) والمخرّم (١٩) قرب بغداد والنهروان (٢٠). والرأى الذى نودى به أخيرا وهو أن ابن الكلبى ألف رسالة عامة فى الجغرافيا فى «عشر مجلدات» (٢١) يستند على محض وهم مرده إلى أن ابن النديم أورد أسماء عشرة من مؤلفاته.
ومهما يكن من شىء فابن الكلبى يمثل ظاهرة نادرة بين لغويى ذلك العهد بما اتصف به من اتساع الأفق ، ذلك أن أغلبهم قد اكتفى بوضع ملخصات لغوية عن بلاد العرب. وخير مثال لهذا الأصمعى المشهور (توفى حوالى عام ٢١٦ ه ـ ٨٣١) (٢٢) الذى يدين له العلم بحفظ عدد من آثار الشعر الجاهلى ؛ فبجانب مصنف له فى الأنواء (٢٣) له أيضا رسالة ذات طابع عام هى «رسالة فى صفة الأرض والسماء والنباتات» (٢٤). بيد أن ياقوت يعتبره المصدر الأساسى عن جزيرة العرب بفضل مصنفه «كتاب جزيرة العرب» (٢٥) ؛ ويكفى أن نذكر أن اسمه ورد حوالى ثلاثمائة وخمسين مرة عند ياقوت (٢٦). وكانت له أيضا رسائل تبحث موضوعات أخص من ذلك ، مثل «كتاب مياه العرب» (٢٧) ؛ وقياسا على بقية مؤلفاته اللغوية الأخرى يمكننا أن نفترض بكل اطمئنان وثقة أن هذه أيضا تمثل تعدادا لأسماء ومصطلحات مصحوبة بشروح موجزة وشواهد من الشعر. ويبدو أن رسالة تلميذه سعران بن المبارك «كتاب الأرضين والمياه والجبال والبحار» (٢٨) قد سارت فى نفس الاتجاه ولم تخرج مادتها عن نطاق جزيرة العرب.
ومن بين العلماء اللغويين الذين سلكوا نفس ذلك الاتجاه نلتقى بشخصية طريفة لأعرابىّ أمىّ يدعى عرّام بن الأصبغ ؛ وهو لمّا أبصر إقبال الناس على مثل هذه الموضوعات أملى فى سن الشيخوخة (بعد عام ٢٣١ ه ـ ٨٤٥) «كتاب أسماء جبال التهامة ومكانها» (٢٩) معتمدا فى ذلك على معرفته الجيدة بمواضع جزيرة العرب. وقد نال مصنفه انتشارا وصيتا واسعين ورواه علماء مختلفون من بينهم السيرافى المعروف (٣٠) (توفى حوالى عام ٣٦٨ ه ـ ٩٧٩) الذى ندين له أيضا بكتاب مستقل عن الجزيرة العربية هو «كتاب جزيرة العرب» (٣١). هذا وقد حفظت لنا من مصنف الأعرابى مقتطفات هامة فى المعجمين الجغرافيين للبكرى وياقوت. والتحليل الدقيق الذى قامت به إلزا رايتميرElse Reitemeyer (٣٢) قد أثبت أن مصنف هذا الأعرابى كان يشمل مادة تخرج عن نطاق عنوانه ، فهو لم يقتصر على ذكر الجبال التى أولى اهتمامه من بينها لتلك الواقعة بين مكة والمدينة بل ذكر أيضا المياه والنباتات الموجودة بها (١).
__________________
(*) تحققت صحة هذه الفروض بالكشف عن رسالة عرام ونشرها. راجع فى هذا مقدمة الأستاذ عبد السلام محمد هارون لطبعته المحققة لمخطوطة «كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه لعرام بن الأصبغ السلمى» القاهرة ١٩٥٦. (المترجم)