عام ٨٤٤ على الأندلس ونهبوا اشبيليه. ويلوح أنه قد زار قبل هذا القسطنطينية ضمن سفارة أوفدت لعقد معاهدة صلح مع الإمبراطور تيوفيل. وقد حفظ لنا أخبار السفارة الأولى مؤرخ الأندلس فى بداية القرن الثالث عشر ابن دحية (١١٢) ، أما الثانية فيرويها لنا فى القرن السابع عشر علامة المغرب المقرى (١١٣) ؛ غير أنه تم فى الآونة الأخيرة العثور على معلومات لدى مؤلفين سابقين لهذا (١١٤). وفد حفظ لنا إلى جانب التفاصيل عن الرحلة نفسها ، وهى تفاصيل تتسم بالاقتضاب والتشويش ، بعض شعر للغزال نفسه يمس جوانب من هذه الرحلة. ولا يخلو من طرافة فى هذا الصدد مخاطبته لسيدات البلاط البيزنطى فى شعر عربى رصين تستشف من خلاله تلك العواطف الوجدانية الجياشة التى حفل بها شعر التروبادورTroubadours. وقد نادى أحد العلماء الفرنسيين منذ أمد غير طويل برأى مؤداه أن رحلة الغزال إلى بيزنطة هى الوحيدة التى حدثت فعلا بينما تستند رحلته إلى النورمان على محض اختلاق (١١٥). بيد أنه من العسير الاتفاق مع هذا الرأى المتطرف لأن الرحلة فى واقع الأمر تحفل بتفاصيل واقعية ، بل إن شخصية الملك المذكور فى الرحلة والذى أجهد تحقيق اسمه العلماء وقتا طويلا قد تمكن أخيرا العلامة النرويجى زايبل Seippe من إثبات شخصيته (١١٦).
وقد اقتدى عرب المغرب بإخوتهم عرب المشرق فلم يقصروا اهتمامهم على المشرق وحده الذى ربطه بالعرب تاريخ طويل من العلاقات ، بل جهدوا أيضا فى التعرف على الغرب والكشف عن بلاده غير المعروفة لهم. وعرب الأندلس رغما من خوفهم من المحيط الأطلنطى الذى اقترن فى أذهانهم «ببحر الظلمات» الرهيب قد قاموا بمحاولات عديدة للكشف فيه ؛ ولكن نظرا لأنه لم يصلنا عن هذه الاستكشافات خبر متواتر فقد استمر مجهولا من العالم إلى أن أماط سره الأوروبيون. ويروى لنا المسعودى خبر إحدى تلك المغامرات فى عبارات موجزة مع الإشارة إلى مصنف له لم يصل إلينا :
«ويذهب قوم إلى أن هذا البحر أصل ماء سائر البحار وله أخبار عجيبة قد أتينا على ذكرها فى كتابنا فى أخبار الزمان وفى أخبار من غرّر وخاطر بنفسه ومن نجا منهم ومن تلف وما شاهدوا منه وما رأوا وإذ منهم رجل من أهل الأندلس يقال له خشخاش وكان من فتيان قرطبة وأحداثهم فجمع جماعة من أحداثها وركب بهم فى مراكب استعدّها فى هذا البحر المحيط فغاب فيه مدة ثم انثنى بغنائم واسعة وخبره مشهور عند أهل الأندلس» (١١٧)
ويمكن من الناحية الزمنية إرجاع هذه المغامرة إلى القرن التاسع ، أما النقطة التى بلغوها فهى مجال للتخمين والافتراضات (١١٨).
وقد حفظت لنا بتفصيل أكثر من هذا أخبار رحلة من لشبونة قام بها ثمانية شبان أبناء عمومة لقبوا «بالمغرورين» ، أى المخاطرين. ويروى لنا قصتهم بشكل مفصل الإدريسى (١١٩) وذلك بمناسبة كلامه عن لشبونة ، فقد كان يوجد بها درب يعرف باسمهم هذا (١٢٠) ؛ ويعيد القصة أبو حامد الغرناطى ،