والعمرى (١٢١). وجوهرها أن ثمانية إخوة عزموا على «ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتهاؤه» فأبحروا مع الريح الشرقية مدة أحد عشر يوما إلى موضع صخرى مخيف شديد الظلمة. ثم اتجهوا جنوبا مدة اثنى عشر يوما إلى أن بلغوا «جزيرة الغنم» فأبصروا قطعان هائلة منها ؛ ثم توغلوا اثنى عشر يوما أخرى فى نفس الاتجاه حتى بلغوا جزيرة أخرى فأسرهم أهلها وكانوا ذوى بشرة حمراء وشعرهم قليل ناعم وطوال القامة. وعندما بدأ هبوب الريح الغربية أمر سيد الجزيرة بترحيلهم معصوبى الأعين إلى القارة التى بلغوها بعد إبحار ثلاثة أيام بلياليها. وهناك علموا من البربر أنهم بجنوبى مراكش على مسيرة شهربن من بلدهم ، وكان موضع نزولهم البقعة التى قامت بها فيما بعد ميناء آسفى Asfi.
وواضح من هذا أن نقاطا عديدة من هذه القصة تدخل فى محيط الأدب الشعبى «الفولكلور» (Folklore) العالمى للقرون الوسطى ؛ وقد استطاع دى خويه أثناء تحليله للأساطير الأوروبية المبكرة عن رحلة القديس براندان أن يكشف عن عدد من نقاط الشبه الطريفة بين القصتين ، مما يشير إلى مصدر مشترك (١٢٢). وبالطبع فإن تحديد زمان ومكان رحلة «المغرورين» يفسح مجالا واسعا للتخمين والافتراضات (١٢٣). ويبدو أن وصف الرحلة يرجع إلى القرن العاشر كما يرى دى خويه ، وذلك قبل إنشاء ميناء آسفى (١٢٤). ويميل بيزلى Beazley إلى الاعتقاد بأن الجزيرة الأولى الوارد ذكرها فى الرحلة هى جزيرة ماديره Madeira أما الثانية فيرى فيها إحدى جزر الكنارى Canaries (١٢٥). وبخلاف هذا فإن أى قول يتعلق بالرحلة لا يخرج عن حيز الافتراضات التى لا يدعمها الواقع ؛ ورغما عن هذا فقد اعتقد المتخصصون فى جغرافيا العصور الوسطى أن هذه الرحلة ربما ساهمت فى الحث على الرحلات المتأخرة التى قام بها الملاحون الأوربيون فى المحيط الأطلنطى (١٢٦). وقد لاقت تسمية هؤلاء الملاحين بالمغررورين ، أو «المغرّرين» كما تروى أحيانا ، انتشارا واسعا ؛ ومما يدعم صحة اشتقاق اللفظ الثانى الاستعمالات العديدة التى وردت لدى المسعودى (١٢٧) ، مما لا يفسح المجال للأخذ برأى متزMetz فى أنه يجب قراءتها «المغربين» أى الضاربين فى الغرب (١٢٨).
إن مغامرة هؤلاء «المغرورين» تخرج بعض الشىء عن الحدود الزمنية الموضوعة لهذا الفصل ولكنها من ناحية أخرى تكمل سلسلة المحاولات العربية للتجوال فى الغرب فى ذلك العهد. فإذا ما ولينا وجهنا شطر المشرق مرة أخرى أمكننا أن نقرر بكل ثقة أن الاهتمام الرئيسى للعرب قد انصب حقا على البلاد الواقعة إلى الشرق من العالم الإسلامى وأن أفق معرفتهم الجغرافية بتلك النواحى قد اتسع بصورة ملحوظة. وهنا يقتصر الحال فى أول الأمر بالطبع على مجرد ذكر الرحلات المختلفة وقد يصحب ذلك سرد لمراحل الطريق ، وشيئا فشيئا يقابلنا عدد من الروايات عن هذه الرحلات احتفظ بها مؤلفون متأخرون أو أعادوا صياغتها فى قالب جديد. أما فى القرن التاسع نفسه فلا نكاد نلتقى بوصف لرحلات يسرده الرحالون أنفسهم.