بارتولد تاريخ هذه الرحلة مع بعض التردد (١٣٩) إلى الفترة بين عامى ٧٦٠ و ٨٠٠ (١٤٠). وحفظ لنا ياقوت (١٤١) أهم قطعة من هذه الرحلة أمكن بوساطتها الاستدلال على شخصية المؤلف الذى ترجع إليه القطعتان المجهولتا المؤلف فى معجم ياقوت وكتاب ابن خرداذبه (١٤٢) ؛ وبهذا فإن الأخير هو أول جغرافى عربى يحفظ لنا وصف الطريق البرى إلى الصين (١٤٣). ويمكن أيضا تتبع أثر تميم عند بعض الجغرافيين مثل أبى دلف وقدامة (١٤٤) بل وحتى عند الإدريسى (١٤٥). وتميم هو أول عربى يمدنا بمعلومات عن التغزغز تستند على معرفة مباشرة بهم فى ديارهم (١٤٦) ، وهو إلى جانب الأخبار الطريفة عنهم وعن غيرهم من القبائل التركية الأخرى يصف لنا عاصمة التغزغز خامچوKan ـ Chou قرب طرفان Turfan (١٤٧). وقد ورد لديه أيضا ذكر لحجر المطر عند الترك ، الأمر الذى دفع ياقوت بهذه المناسبة إلى نقل الرواية الأكثر تفصيلا والمأخوذة عن المروزى الذى مر ذكره (١٤٨). والفرض الذى نادى به ماركفارت وهو أن تميما قد زارا الأويغور على نهر الأورخون Orkhon قبل هجرتهم منه (١٤٩) قد ثبتت صحته فى الآونة الأخيرة بعد الاطلاع على مخطوطة ابن الفقيه التى عثر عليها بمشهد ، فهى تورد لنا قصة تميم بصورة أوفى مما لدى ياقوت (١٥٠).
وباسم الخليفة الواثق (٢٢٧ ه ـ ٢٣٢ ه ـ ٨٤٢ ـ ٨٤٧) الذى مر الكلام عليه كمشجع للرحلات تقترن الرحلة الشهيرة لسلام الترجمان إلى الأصقاع الشمالية. وتتخذ هذه الرحلة بالنسبة لوطننا السوفيتى أهمية خاصة ، فليس غريبا إذن أن يرجع الاهتمام بها بين ظهرانينا إلى أكثر من قرنين فيكتب عن سلام الترجمان (Alsalemo Altargjeman) واحد من أوائل الأكاديميين لدينا وهو بايرBayer وذلك فى أول جزء من «التعليقات» (Commentaries) الأكاديمية (١٥١). ولم تتغير كثيرا نظرة الدوائر العلمية فيما يتعلق بسلام فى السبعين عاما الأخيرة ؛ وإذا كان اشبرنجرSprenger قد اعتبر الرحلة منذ عام ١٨٦٤ «تضليلا مقصودا» (١٥٢) ، وهو موقف انضم إليه بالتالى غريغورييف Grigoriev (١٥٣) فإن مينورسكى Minorsky أيضا ، وذلك فى عام ١٩٣٧ ، يرى فيها «حكاية خرافية تنتثر فيها بضعة أسماء جغرافية» (١٥٤). إلا أنه لا يجب أن نهمل الآراء المعارضة لذلك ، فمنذ عام ١٨٨٨ اعتبر دى خويه (١٥٥) الرحلة واقعة تاريخية لا شك فيها وأنها جديرة باهتمام العلماء ، وقد أيده فى هذا الرأى (١٥٦) خبير ثقة بالجغرافيا التاريخية هو توماشك Tomaschek (١٥٧) ، وفى الآونة الحاضرة يرى عالم البيزنطيات فاسيلييف Vasiliev أنه من الممكن القول بأن سلاما «قد نقل إلى الخليفة الروايات المحلية التى سمعها فى الأماكن التى زارها (١٥٨)» ، ويلوح لى أن هذا الرأى الأخير لا يخلو من الوجاهة رغما من أن وصف الرحلة ، شأنه فى هذا شأن جميع الآثار من هذا النوع ، لا يمكن اعتباره رسالة جغرافية بل مصنفا أدبيا يحفل بعناصر نقلية من جهة وانطباعات شخصية صيغت فى قالب أدنى من جهة أخرى.