بأوروبا ، فأسطورة القديس براندان St.Brandan التى ترجع إلى أوائل القرن الحادى عشر (١٩٣) مدينة بالكثير فى بعض مواضعها لهذه القصص (١٩٤) ، كما يجب ألا ننسى أيضا تأثير الرحلات البحرية على الأساطير الأخروية (eschatological) للمسيحية الأوروبية (١٩٥).
وكما رأينا فإن القصص البحرية ترتبط ارتباطا وثيقا ببلاد الشرق كالهند والصين ، ولكن يمكن أن يضم إلى هذه الأقطار أيضا سواحل أفريقيا الشرقية خاصة بلاد الزنج المشهورة ، وهى تنطبق بوجه التقريب على زنزبار الحالية. ويشغل مكانا مرموقا فى هذه السلسلة كتاب تم تأليفه بعد ذلك بقليل فى حوالى عام ٣٤٢ ه ـ ٩٥٣ ، أعنى مجموعة «عجائب الهند» لبزرج بن شهريار وهو ربان من رامهرمز على الخليج الفارسى ؛ وليس لدينا أية معلومات عنه بخلاف ما تقدمه لنا قصصه نفسها ؛ ويجب ألا ينظر فيه إلى المؤلف بقدر ما ينظر فيه إلى القاصّ الرئيسى الذى دونت الحكايات من ألفاظه إذ يأخذ طرفا فيها قاصّون آخرون من الربابنة والنواخذة والتجار الذين ينتمون خاصة إلى الفترة ٢٨٨ ه ـ ٣٤٢ ه ـ ٩٠٠ ـ ٩٥٣ ؛ وبعض قصص هذه المجموعة ترجع إلى نهاية القرن العاشر وفقا لرأى فيران (١٩٦).
والكلام فى هذه المجموعة لا يدور حول قصة واحدة متماسكة الأطراف كما هو الحال مع كتاب أبى زيد السيرافى ولكنه يتناول مجموعة من القصص المتفرقة التى تختلف طولا وقصرا فتتراوح بين عشر صفحات وبضعة أسطر ؛ كما تتميز مادتها أيضا بالتنوع فتارة يقابلنا وصف قصير لنبات أو سمك أو عجائب ، وطورا وصف لحادث فى البر أو البحر قد يتحول إلى قصة مغامرات أو دراما أخلاقية معروضة بالكثير من المهارة الفنية. ويحس من هذا العرض العام للقصص أنها لشخص يتمتع بأسلوب حى سلس ويجيد الفن القصصى ويعرضه أحيانا بطريقة وجدانية مؤثرة ، ومن ثم فهى تمثل مصنفا أدبيا ممتازا لا يقل قيمة عن أفضل مواضع «أسفار السندباد» بل ويفوقها أحيانا. هذا وقد أصبح كتاب «عجائب الهند» فى متناول الأيدى فى طبعة فاخرة منذ الثمانينيات من القرن الماضى.
لقد عاش نمط القصص البحرية فى الأدب العربى قرونا طويلة ولكنه لم ينتج لنا آثارا ممتازة كالتى مر بنا الكلام عليها. أما مجموعة الحكايات المعروفة باسم «مائة ليلة وليلة» (١٩٧) فإنها لم تدون قبل النصف الثانى من القرن الرابع عشر ولكنها ربما عرفت منذ القرن العاشر (١٩٨) ؛ ورغما من أنه يثبت من قراءتها معرفتها «بألف ليلة وليلة» إلا أنها لا تعتمد عليها فى مادتها (١٩٩). وتوجد بهذه المجموعة حكاية عن جزيرة الكافور (٢٠٠) تصف الرحلة البحرية إلى الصين ويرد فيها الكلام عن عاصمتها خمدان (٢٠١) ، وهى ترتبط ارتباطا وثيقا بحكاية ابن وهب (٢٠٢) ؛ أما مصادرها فتنتظم مجالا عريضا يصل إلى كوزموغرافيا ابن الوردى فى القرن الرابع عشر (٢٠٣). وسنرى كيف أن مسار هذا التطور للقصص البحرية على ممر القرون سيؤدى بنا فى القرن الخامس عشر إلى مرشدات الملاحة للربابنة العرب المشهورين فى المحيط الهندى الذين كان كان من بينهم ربان فاسكودى غاما.