افريدون معتمدا فى ذلك على المصادر الفارسية فيذكر ملوك الفرس والروم والترك والصين ويذكر أحيانا ألقابهم التى يلاحظ من بينها «ملك الصقالب قناز» (١) (١٥).
أما القسم الرئيسى من الكتاب فيشمل وصف الطرق ، وذلك بدرجات تتفاوت فى التفصيل. فيبدأ بالطرق التى تخرج من بغداد شمالا إلى آسيا الوسطى وجنوبا إلى الهند ، ويصحب ذلك ملاحظات عابرة عن التقسيم الإدارى والخراج مع استشهادات شعرية عند الكلام على الأمكنة أحيانا. ويمتاز بحيوية أكثر وصفه الطريق البحرى إلى الهند والصين حيث يبدو واضحا تأثير «القصص البحرية» التى مر الكلام عليها. وفى خلال هذا الوصف يبدو واضحا اهتمامه بمحصولات البحار والجزر ، كما يذكر بالتفصيل كيفية الحصول على الكافور ويصف الفيل ووحيد القرن ويتحدث عن البوذية لدى ملك جاوه وعن الطبقات (Castes) فى الهند (١٦). أما فيما يتعلق بالغرب فإنه يصف الطريق إلى الأندلس ، ويسهب فى وصف الطرق المؤدية إلى بيزنطه مع إيراد تفاصيل ترجع إلى مسلم الجرمى كما بينا فى حينه. أما وصفه المسهب لرومه والذى قام بدراسته المستشرق جويدى Guidi فيرتبط بالمصادر المسيحية الشرقية وليست له أهمية تذكر ، شأنه فى هذا شأن جميع أوصاف رومه التى تركها لنا الجغرافيون العرب قبل الإدريسى (١٧). ويصف طريق الشمال خلال أذربيجان والقوقاز كما يصف الطرق الخارجة من بغداد فى اتجاه الجنوب الشرقى إلى مكة والمدينة وجنوب الجزيرة العربية ، فيذكر المنازل من البصرة وبغداد ومصر إلى مكة. ويختتم هذا القسم بالكلام على طريقين مهمين للغاية كان يسلكهما التجار اليهود من أوربا إلى الهند والصين ، أحدهما يمر بالسويس والبحر الأحمر ، والآخر يمر بأنطاكية إلى الفرات. وليس أقل أهمية من ذلك وصفه لطريق التجار الروس إلى الجنوب وهو الذى يمر بنهرى الدون والفولجا ثم يعبر بحر قزوين متجها صوب الجنوب (١٨) ؛ وهو يحمل على الاعتقاد بأنه مدخول على الكتاب ولكن يبدو أنه قد وجد فى المسودة الأصلية (١٩) ومنها وقع لابن الفقيه الذى يختلف مع متن ابن خرداذبه فى شىء بسيط هو أنه يتحدث عن تجار الصقالبة وليس الروس (٢٠). وقد أدى هذا الموضوع إلى ظهور أبحاث عديدة (٢١) وله ترجمة علمية باللغة الروسية (٢٢).
ولم يقتصر كتاب ابن خرداذبه على وصف الطرق بل أتبع ذلك أقساما عديدة تحمل على الاعتقاد بأنها زيادات متأخرة أضيفت بمرور الزمن ، كالحديث مثلا عن تقسيم الأرض الذى يحفل بأخطاء عديدة ، وعن عجائب العالم وعن الأبنية المشهورة حيث يورد قصة عن فتح الأهرامات فى عهد ابن طولون. وينضم إلى هذا القسم من كتابه الوصف المعروف لنا لرحلة سلام الترجمان ، ويتلوه حكاية عن العجائب المختلفة والجبال والأنهار. وهنا وعلى حين فجأة تنتهى المخطوطة كأنما بدون خاتمة.
ليس من العسير أن نبصر أن كتاب ابن خرداذبه يقوم على عنصرين متميزين كل التميز عن بعضهما
__________________
(*) بالروسيةKniaz أى الملك والأمير ؛ ومن المحتمل أن الصقالبة قد أخذوها عن الجرمان. (المترجم)