وقد نقل ذلك عن ابن خرداذبه. وهو موضوع دفع إلى ظهور عدد من الأبحاث من بينها بحث خاص لكونيك Kunik (٤٩) ؛ ومن الممكن أن تلقى مخطوطة مشهد ضوءا على بعض جوانب هذه المسئلة.
ومعروف بصورة أفضل من هذه للمؤرخين الروس الجغرافى الفارسى أبو على بن رسته الذى كتب بعد عشر سنوات من ابن الفقيه وذلك بين عامى ٢٩٠ ه ـ ٩٠٣ و ٣٠٠ ه ـ ٩١٣. ويرى ماركفارت أن تاريخ تأليفه لكتابه يرجع إلى عام ٣١٠ ه ـ ٩٢٣ ، ذلك لأنه يعتبر المصدر الأساسى لابن رستة كتاب الجيهانى فى الجغرافيا الذى تم تأليفه بحسب رأى ماركفارت فى حوالى ذلك الوقت (٥٠). ومن العسير بالطبع قبول هذا الرأى ، بل إن بارتولد يتشكك فى صحة الزعم القائل بأن ابن رسته قد رجع إلى ابن فضلان فى قصته عن الروس. ويلوح أن الرأى الأكثر قبولا الآن هو أن الكتاب قد تم تأليفه بعد قليل من عام ٢٩٠ ه ـ ٩٠٣ (٥١) ، ويندر الآن وجود من يقول بإرجاع زمن تأليفه إلى عام ٩١٣ كما كان سائدا من قبل (٥٢). وتستند شهرة ابن رستة لدينا على كتاب خفولسون Chwolson العتيق (١٨٦٩) (٥٣) الذى أثبت على مدى طويل الصيغة الخاطئة لاسمه وهى ابن دسته ؛ وهذا الكتاب لم يوضح سوى جانب واحد من المادة المتعلقة بوصف الشعوب التى كانت تقطن الاتحاد السوفيتى والأصقاع المتاخمة له. أما المؤلف نفسه فلا نعرف عنه سوى القليل وهو أن أصله من أصفهان وأنه كان بالحجاز على ما يظهر فى عام ٢٩٠ ه ـ ٩٠٣. ولم يتبق لنا من موسوعته الضخمة «الأعلاق النفيسة» سوى الجزء السابع فى الفلك والجغرافيا وهو موجود فى مخطوطة فريدة (٥٤) ؛ ويمكن أن يعتبر ابن رسته أستاذا للكوزموغرافى القزوينى. وابن رسته يتوخى الحذر فى كتابته كى لا يتهم بحرية الفكر فهو يعتمد على شواهد من القرآن لإثبات التنجيم ، وعرضه للجغرافيا الفلكية والرياضية واف جدا ويعتمد فى ذلك على الفرغانى وأبى معشر المعروفين لنا جيدا ولكنه لا يخلو من تأثير عرض ابن خرداذبه (٥٥). أما الجغرافيا الطبيعية لديه فتبدأ بوصف مكة والكعبة مع تحديد الأبعاد بدقة متناهية ولكن وصفه يفتقر إلى الحيوية ؛ ويلى وصف المدينة قسم مكرس لجميع صنوف العجائب من العالمين النباتى والحيوانى وللمبانى الشهيرة ، ثم يعقب هذا وصف البحار والأنهار والأقاليم السبعة بما فيها من المدن المشهورة. وفى وصفه للأقطار يفرد أهمية خاصة لإيران ولكنه لا يهمل الكلام على بلاد العرب الجنوبية ومدينة صنعاء والعراق ومدينة بغداد ومصر. وفيما يتعلق بالقسطنطينية يحدثنا عن موكب الإمبراطور المهيب إلى أياصوفيا ، ثم يصف الكنيسة نفسها ويتحدث عن الساعة الموجودة بها والتى تنسب صناعتها إلى أبولون التيانى Apollo of Tean. وطبيعى أن تختلف قيمة كل قسم من كتابه عن الآخر ، ويظفر بأهمية خاصة كلامه عن صنعاء والإمبراطورية البيزنطية والهند الشرقية والصقالبة والشعوب الأورالية الألتائية Ouralo ـ Altaic)) (١) ونواحى
__________________
(*) هى المجموعة اللغوية التى تضم الترك والمغول والتنغوس من ناحية ، والمجر والفنيين Finns وغيرهم من ناحية أخرى. ويميل علماء اللغة الآن إلى فصل هذين الفرعين عن بعضهما البعض. (المترجم)