على الوثائق الرسمية لذلك العهد. وقد وضحت أهميته الكبرى فى هذا المجال من أبحاث العلامة اشبرنجرSprenger (١٨٦٤).
ومقدمة القسم المطبوع من كتابه تعطى فكرة جلية عن وجهة نظر المؤلف والغاية التى استهدفها والخطة التى سار عليها (٦٠) ، وهى تسمح بتقدير دور البريد فى الدولة العباسية ، وهو الغرض الرئيسى من كتابى ابن خرداذبه وقدامة.
«قال أبو الفرج يحتاج فى البريد إلى ديوان يكون مفردا به ويكون الكتب المنفذة من جميع النواحى مقصودا بها صاحبه ليكون هو المنفذ لكل شىء منها إلى الموضع المرسوم بالنفوذ إليه ويتولى عرض كتب أصحاب البريد والأخبار فى جميع النواحى على الخليفة أو عمل جوامع لها ويكون إليه النظر فى أمر الفروانقيين (١) والموقعين والمرتبين فى السلك وتنجّز أرزاقهم وتقليد أصحاب الخرائط فى سائر الأمصار والذى يحتاج إليه فى صاحب هذا الديوان هو أن يكون ثقة إما فى نفسه أو عند الخليفة القائم بالأمر فى وقته لأن هذا الديوان ليس فيه من العمل ما يحتاج معه إلى الكافى المتصفح وإنما يحتاج إلى الثقة المتحفظ والرسوم التى يحتاج إليها من أمر الديوان هو ما يقارب الرسوم التى بيناها فى غيره مما يضبط به أعماله وأحواله فاما غير ذلك من أمر الطرق ومواضع السكك والمسالك إلى جميع النواحى فإنا لم نذكره ولا غنى بصاحب هذا الديوان أن يكون معه منه ما لا يحتاج فى الرجوع فيه إلى غيره وما أن سأله عنه الخليفة وقت الحاجة إلى شخوصه وإنفاذ جيش يهمه أمره وغير ذلك مما تدعو الضرورة إلى علم الطرق بسببه وجد عتيدا عنده ومضبوطا قبله ولم يحتج إلى تكلف عمله والمسئلة عنه فينبغى أن نكون الآن نأخذ فى ذكر ذلك وتعديده بأسماء المواضع وذكر المنازل وعدد الأميال والفراسخ وغيره من وصف حال المنزل فى مائه وخشونته وسهولته أو عمارته أو ما سوى ذلك من حاله ونبدأ بالطريق المأخوذ فيه من مدينة السلام إلى مكة وهو المنسك العظيم وبيت الله الأقدم ونأخذ بعد البلوغ إليه بذكر ما بعده من الطريق إلى اليمن ثم فى سائر الجهات المقاربة له وتسميته إن شاء الله».
فى هذه المقدمة نبصر مرة أخرى كيف استحثت المطالب الدنيوية على تأليف الأوصاف الجغرافية التى انضمت إلى الجغرافيا الفلكية لتقدم لنا عرضا عاما شاملا مترابط الحلقات ابتداء من القرن التاسع. وإلى جانب هذه المصنفات الجغرافية العامة فقد أسهم القرن التاسع فى تدعيم الأشكال المختلفة للجغرافيا الإقليمية المحلية ؛ وهذه الأخيرة لم يكن فى طوقها أن تدعى حق الانضواء تحت ما يمكن أن يعتبر عرضا عاما للأدب الجغرافى إذ كثيرا ما طغت فيها المادة التاريخية ، أو الأسطورية بتعبير أدق ، على الجغرافية. ولم يكن أمرا نادرا أن تتحول هذه المصنفات إلى مجموعات تعالج سير الشخصيات الكبرى التى اشتهرت فى الأماكن والبلدان المختلفة ، هذا إلى أنه يمكن أن يلاحظ فيها تطور طراز «الفضائل»
__________________
(*) من فرانق معرب بروانك الفارسية وهو البريد أو الذى يدل صاحب البريد على الطريق. (المترجم)