من أن تبرز إلى الوجود «أطلس الإسلام» الطريف المنظم ، إلا أنها عجزت بالتالى عن إنتاج ما يشبهه ولو على شكل مصورات جغرافية منفردة ، بحيث لم يجد اتساع أفق المعلومات الجغرافية إنعكاسا كافيا فى المصورات الجغرافية المتأخرة التى كانت مجرد تقليد للنماذج السابقة بل وأحيانا تكرارا حرفيا لها.
ولكن يجب ألا يغيب عن الذهن أن الكارتوغرافيا لم تتمتع بالكثير من الأصالة حتى فى أوروبا الوسيطة ولم يجر أى تصحيح فى المصورات الجغرافية لتتفق مع المعلومات المعاصرة لها (٢٥). وبالطبع لم يكن بمستطاع الأدب الجغرافى التخلص من العيوب المعهودة فى الأدب العربى بأجمعه ، فنبصر فيه النزعة إلى الوصف الجامع الشامل بدلا من العرض المفصل العميق للمناطق المعروفة على أساس الملاحظة المباشرة ؛ أضف إلى هذا أن المنهج النقدى لم يطبق دائما على المصادر المكتوبة التى أفاد منها المؤلفون. هذا وقد غلب على الأدب العربى موقف معين من الإنتاج الأدبى للسلف يتفق أحيانا مع الفكرة المعاصرة للسرقة الأدبية (Plagiarism). وإذا حدث وأن التقينا فى عهد ازدهار الأدب الجغرافى فى القرن العاشر بعدد من العلماء الباحثين ممن بلغوا مرتبة عالية فى نقد مصادرهم بتطبيق مناهج فى البحث ذات قيمة علمية حتى فى أيامنا هذه ، فإنه قد تلاهم صنف آخر من العلماء شغل نفسه بنقل روايات المؤلفين المتقدمين دون الإشارة إلى أنها ترجع إلى عصر سابق لعصرهم بكثير. وقد ساق هذا عددا من البحاثة المعاصرين إلى الخطأ. ولم يكن الدافع إلى هذا مبنيا على سوء النية ، ولو أن هذا العامل قد وجد أحيانا ؛ ذلك أن هذه الظاهرة قد شملت جميع ميادين الأدب ونشأت على وجه التقريب منذ بداية التأليف عند العرب. وقد أكد الجغرافى المقدسى (القرن العاشر) ولو بشىء من المبالغة ، وذللث فى ملاحظاته النقدية عن السابقين له فى مضمار الجغرافيا ، أن كتاب الجيهانى يضم بين دفتيه كتاب ابن خرداذبه وأن ابن الفقيه لا يختلف فى شىء عن الجاحظ (٢٦) وفيما بعد أصبح تضمين مصنفات الغير أو تضمين قطع منها فى صلب المصنف قاعدة عامة. وفى الأحوال التى يورد فيها المؤلفون أسماء مصادرهم فإن هذا العيب يصبح فضيلة ، فكثيرا ما حفظت لنا نتيجة لذلك شذور ومقتطفات من مصنفات فقدت تماما بالنسبة لنا ؛ ويكفى فى هذا الصدد أن نشير إلى رحلة ابن فضلان التى اعتمد جميع من تفرغوا لدراستها حتى الآونة الأخيرة على المقتطفات التى حفظها لنا ياقوت فى «معجم البلدان» الذى تم تأليفه بعد رحلة ابن فضلان بثلاثة قرون. ومن المؤسف أن طريقة إيراد المصادر لم تكن الغالبة فأحيانا قد يورد المؤلف فى بداية مصنفه ثبتا بأسماء المراجع التى أفاد منها دون أن يعنى فى صلب الكتاب بالتمييز بين ما أخذه من غيره وما جمعه هو بنفسه أو يشير إلى أن بعض مادته يرجع إلى أزمنة سالفة. ويحتاج البحاثة إلى إعمال الجذر حتى لا يأخذ هذه التضمينات على أنها ألفاظ المؤلف نفسه أو أنها ترجع إلى العصر الذى عاش فيه (٢٧).
وإذا حاولنا حصر مزايا الأدب الجغرافى العربى وعيوبه فإنه يجب الاعتراف على أية حال