ليرى بعينى رأسه هولاكو الجبار (توفى عام ٦٦٣ ه ـ ١٢٦٥) (٦) ؛ وهذا التناقض فى التواريخ يسوقنا إلى التشكك فى صدق هذه الواقعة الأخيرة (٧). وقد توفى ابن سعيد على قول إحدى الروايات بدمشق فى خلال عودته من هذه الرحلة وذلك فى عام ٦٧٣ ه ـ ١٢٧٤ ؛ وترجع رواية أخرى تاريخ وفاته إلى ما بعد هذا بأعوام طويلة فتذكر أنها قد حدثت بتونس فى عام ٦٨٥ ه ـ ١٨٢٦. ويعتبر ابن سعيد بصفة عامة من أخصب الكتاب إنتاجا على الرغم من أسفاره التى لم تنقطع ، هذا إلى جانب ميوله الواضحة نحو الأدب الفنى (٨) خاصة الشعر الذى نال فيه حظا وافرا من الشهرة.
وكان ابن سعيد محبا لوطنه الأندلس وانعكس حنينه إلى الوطن فى أشعار عاطفية عميقة (٩) ؛ وقد رد على ابن حوقل لأنه ارتاب فى أخلاق أهل الأندلس (١٠) كما وأنه وضع سائر المدن التى زارها فى مرتبة دون مرتبة مدن الأندلس. وقد عبر عن أحاسيسه هذه بإيجاز فى قوله (١١) :
«وأنا أقول كلاما فيه كفاية منذ خرجت من جزيرة الأندلس وطفت فى بر العدوة ورأيت مدنها العظيمة كمراكش وفاس وسلا وسبتة ثم طفت فى إفريقية وما جاورها من المغرب الأوسط ، فرأيت بجاية وتونس ثم دخلت الديار المصرية فرأيت الإسكندرية والقاهرة والفسطاط ثم دخلت الشام فرأيت دمشق وحلبا وما بينهما لم أر ما يشبه رونق الأندلس فى مياهها وأشجارها إلا مدينة فاس بالمغرب الأقصى ومدينة دمشق بالشام وفى حماة مسحة أندلسية ولم أر ما يشبهها فى حسن المبانى والتشييد والتصنيع إلا ما شيد بمراكش فى دولة بنى عبد المؤمن وبعض أماكن فى تونس وإن كان الغالب على تونس البناء بالحجارة كالإسكندرية ولكن الإسكندرية أفسح شوارع وأبسط وأبدع ومبانى حلب داخلة فيما يستحسن لأنها من حجارة صلبة وفى وضعها وترتيبها إتقان» (١٢).
أما فى الدوائر العلمية فقد لفتت الأنظار بشكل خاص مصنفاته التاريخية ، ذلك أن ابن سعيد سار على نهج أسرته فأتم مؤلفات كان قد بدأها جده وأبوه (١٣) وهى تعالج تاريخ العرب والبلاد العربية منذ الجاهلية إلى العصر القريب من حياة المؤلف. هذا وقد أصبحت تلك المؤلفات معروفة فى القرن العشرين عن طريق الأبحاث الخاصة (١٤) وعن طريق طبعات للفصول التى لم تمتد إليها يد الضياع (١٥) ؛ وهى تضم إلى المادة التاريخية جانبا ليس بالقليل من المعطيات الجغرافية ينعكس فيها بجلاء ميل المؤلف إلى الأدب الفنى ، من ذلك وصفه لصقلية الذى استخرجه موريتزMorits من إحدى مصنفاته التاريخية التى أشرنا إليها (١٦) وذلك فى مخطوطة كتب قسم منها بخط يد المؤلف نفسه.
أما نشاطه فى محيط الجغرافيا فإنه لا يتصل بالأدب بقدر ما يتصل بالاتجاه الذى يمثله الإدريسى ؛ ويتضح ذلك من عنوان مصنفه «كتاب جغرافيا فى الأقاليم السبعة» ، وكأنه يشير بهذا إلى المذهب الذى ينضوى تحت لوائه المؤلف. غير أنه يجب أن نضيف إلى هذا أن المشكلة المتعلقة بمسودات هذا الكتاب ومختصراته لا يمكن القول بأنها قد حلت تماما (١٧) ؛ ولا يزال البحث الذى بكر به بارتولد منذ السنوات