التسعينات من القرن الماضى هو الدراسة الوحيدة حول هذا الموضوع وفيه ينعكس الاهتمام الخاص بمحتويات هذا الكتاب. غير أن عدم وجود طبعة له حتى يومنا هذا ليقف حجر عثرة فى سبيل دراسته دراسة صحيحة.
وترجع معرفتنا بهذا المصنف إلى قطعة واحدة ترتفع إلى بداية القرن الرابع عشر وتوجد نسخة خطية لها بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية (١٨). وقد اعتقد بعض البحاثة استنادا على إحدى النسخ بأن الكتاب من تأليف أحمد بن ياقوت الحموى وهو ابن ياقوت المشهور (١٩) ؛ إلا أن الواقع يكذب هذا الزعم ذلك أنه إذا كان تأليف القطعة يرجع حقا إلى ما بين عامى ٧٢١ ه ـ ١٢٣١ و ٧٢٣ ه ـ ١٢٣٣ كما هو مبين بها فإن هذا يعنى أن ابن ياقوت لم يكن عمره آنذاك ليقل عن سبعة وتسعين عاما (٢٠). وثمة قطعة أخرى من هذا الكتاب تحمل عنوانا مغايرا هو «كتاب بسط الأرض فى طولها والعرض» (١) ؛ ومن الطريف أن إحدى نسخ هذه الأخيرة التى استعملها أبو الفدا وعلق على هامشها بملاحظاته العديدة محفوظة الآن بباريس (٢١). وعلى الرغم من الغموض الذى يحيط بمسودات الكتاب إلا أنه يمكن القول بأن «جغرافيا» ابن سعيد تعتمد على الإدريسى اعتمادا كبيرا فى مادتها الأساسية وفى تبويبها فالأقاليم فيها مقسمة إلى سبعة وكل واحد منها مجزأ بدوره إلى عشرة أقسام ، ولكنه كما لاحظ هونغمان Honigmann (٢٢) «لا يترسم فى هذا مذهب بطلميوس إطلاقا» ذلك أن مفهول «الإقليم» بمعناه الخاص الذى يقوم على الفكرة الفلكية قد أخذ يختفى شيئا فشيئا. ويزيد ابن سعيد على الإدريسى أنه قد بين عروض وأطوال جميع المواضع المأهولة بطريقة دقيقة يمكن معها إلى حد كبير تخطيط مصور جغرافى متكامل.
وعلى الرغم من الطابع النقلى الذى يغلب عليه إلا أنه يجب الاعتراف بأنه مصنف غنى حافل وان ما أورده من معلومات عن أوروبا الغربية خاصة فرنسا وهنغاريا لا يخلو من الطرافة ، كما لا يخلو منها أيضا وصفه لآسيا الصغرى ولمنطقة قسطمونى بالذات التى كانت آنذاك مركزا للتركمان. وابن سعيد يقدم لنا معلومات عن الصقالبة الغربيين على سواحل بحر البلطيق ؛ وقد أخضع بارتولد مادته عن أوروبا الشرقية وآسيا الداخلية لدراسة ممتازة ؛ وهو على معرفة بالروس على سواحل بحر آزاق Azov ونهر الدون (٢٣) كما وأنه يورد بعض التفاصيل عن جبال القوقاز (٢٤) والشعوب القاطنة إلى الشمال والشرق منها كالبرطاس والغز والقومان والقبچاق (٢٥) ؛ أما معرفته بالصين فتعتمد فى الغالب على الإدريسى ولكنه كان على علم بالاسم التركى لبكين وهو خانبالق وباسم حاكمها لذلك العهد وهو محمود يلواج من أهل خوارزم ؛ وقد ساور الشك أبا الفدا فى صحة هذه الرواية الأخيرة فآثر ألا ينقلها فى مؤلفه الجغرافى (٢٦).
وأبو الفدا بوجه عام يقف موقف المتشدد من ابن سعيد بل إنه يذكر فى مواضع من كتابه أنه قد اعتمد على روايته عن المغرب كل الاعتماد فى مبدأ الأمر لأن ابن سعيد مغربى ولكنه ما لبث أن تبينت
__________________
(*) نشره مؤخرا معهد مولاى الحسن بتطوان بعنايةJuan Vernet Gines الأستاذ بجامعة برشلونه. (المترجم)