له أخطاؤه فصار يتحاشاه (٢٧). غير أن هذا الحكم القاسى لأبى الفدا لم يقره عليه العلم الأوروبى بصفة دائمة ، فأمارى Amari وهو من خيرة العارفين بالمصادر فى هذا الميدان قد أماط اللثام عن معرفة ابن سعيد الجيدة بجنوبى أوروبا (٢٨) وبإيطاليا بوجه خاص ؛ أما فيما يتعلق بنواحيها ومدنها مثل سردينيا وقورسيقا ونابلى وسالرنو ورومه وبيزه وجنوه فقد أورد بشأنها عددا من المعطيات الجديدة مما لم يعرفه المؤلفون الآخرون ، ولعله استقاها من التجار الأندلسيين والأفارقة (٢٩). وهذا الحكم عينه يصدق بدوره على معرفته بسواحل أفريقيا الغربية والشرقية التى لم يزرها بنفسه بل استقى مادته عنها من ملاح عربى لا نعلم عنه شيئا يدعى ابن فاطمة ولعله عاش فى القرن السابق على ذلك (٣٠) ؛ وقد أبحر هذا الملاح على طول الساحل الغربى لأفريقيا حتى بلغ مصب نهر السنغال الذى كان يعتبر فى ذلك الوقت متصلا عن طريق نهر النيجر بحوض النيل الذى كان الجغرافيون يضمون إليه فى ذلك العهد منطقة بحيرة تشاد (٣١) (١). أما فى شرقى أفريقيا فإن ابن فاطمة بلغ سفالة الزنج على ما يبدو وعرف جيدا مدغشقر (٣٢) وربما ترتفع إليه تلك الرواية الهامة التى ينفرد ابن سعيد بروايتها دون المؤلفين العرب قاطبة والتى تتعلق باستيطان الهنود لجزيرة مدغشقر (٣٣). وكل هذه الاعتبارات ذات الطابع العام والخاص تقف دليلا على أن «جغرافيا» ابن سعيد تستحق اهتمام البحاثة المعاصرين ؛ ولا يزال محتفظا بقيمته ذلك الرأى الذى أفصح عنه بارتولد منذ نصف قرن حين قال : «ويمثل هذا المصنف لدى مقارنته بالإدريسى وأبى الفدا قائمة بذاتها ... ولم يستطع أبو الفدا أو المترجمون والناشرون أن يستغرقوا جميع مادته (٣٤)» ، أى أن المصنف لا يزال فى حاجة إلى بحث خاص وعند ذلك فقط يمكن توضيح الجوانب الغامضة فيه توضيحا كافيا.
وإذا استحال القول بأن ابن سعيد كان مؤلفا مغمورا ، سواء عند العرب أو لدى العلماء الأوروبيين ، فإن الصيت الأكبر فى ذلك العصر بل وفى العصور التالية له كان من نصيب القزوينى الذى يكاد يكون أكثر الكتاب العرب قاطبة قربا إلى الجماهير ؛ ذلك أن معرفة جمهرة القراء بالآثار الأدبية لم ترتبط بالطبع دائما بأسماء كبار العلماء بل كانت فى أغلب الأحيان من نصيب تلك المصنفات المحببة إلى نفوسهم والتى تتجاوب مع رغباتهم. وإذا كان ياقوت قد بلغ الأوج فى نمط المعاجم فإن القزوينى يعتبر أكبر كوزموغرافى ومبسط للعلوم من أجل الجمهور. وكما رأينا من قبل فإن ممثلى هذا النمط بدأوا فى الظهور منذ نهاية القرن
__________________
(*) لدى المترجم ما يحمله على الاعتقاد بوجود بعض الاختلاف بين هذا الكلام وبين النص الذى اعتمد عليه المؤلف ، لذا فقد آثر إيراده بحذافيره : The Author Ibu Said, ou the thirteenth century, is very well acquainted, through the travels of»
with the Atlantic coast as far as the Senegal) which was thought to be connected with the ابن فاطمة Niger and even to belong to the same fluvial system as the Nile (, and with the negro peoples living
(المترجم)(round lake Chad (p.٢٠١ ,Legacy of Islam ,٠٦٩١