ما نفدت كلمة الله». من الواضح جيدا أن الإشارة إلى البحار السبعة فى هذه الآية ، التى تمثل بدورها ترجمة دقيقة لحكمة عبرية (٥٦) ، إنما ترد بطريقة رمزية ؛ وهكذا فهم المقدسى الأمر (٥٧). بيد أن هذا لم يمنع بقية الجغرافيين ، بل وأحيانا العلماء الأوروبيين ، من الكلام عن سبعة بحار مختلفة فى القرآن (٥٨) ؛ ولعلنا نجابه مرة أخرى تأثير المغزى السحرى للرقم سبعة كما هو الشأن مع الأرضين السبع.
فإذا ما انتقلنا من النظريات الجغرافية الموجودة فى القرآن ، أو القائمة على تعبيرات غير واضحة فيه ، إلى المادة الجغرافية الواقعية فإن القرآن يبدو أفقر بكثير من الشعر العربى خاصة فيما يتعلق بذكر الأماكن. ويمكن القول بأن القرآن يقتصر على إيراد نحو عشرة أسماء لمواضع جغرافية جميعها داخل حدود الجزيرة العربية. فيرد بالطبع ذكر مكة باسمها المعروف (٤٨ ٢٤) وباسمها الموقر «أم القرى» (٣٦ ٩ ، ٤٢ ٥) (٥٩) وباسمها المحلى «بكة» (٣ ٩٠). أما المدينة التى يرد ذكرها مرارا ، فقد وردت أيضا باسمها الجاهلى يثرب (٣٣ ١٣) (٦٠). ومن الأماكن المرتبطة بسيرة محمد يرد ذكر بدر (٣ ١١٩) وحنين (٩ ٢٥) (٦١) فقط ؛ ومن أماكن العبادة الصفا والمروة (٣٢ ١٥) (٦٢) وعرفات (٢ ١٩٤). وطريفا كان مصير الجودى الذى رسى عنده فلك نوح (١١ ٤٦) ، فمحمد بلاريب اعتبره فى جزيرة العرب (٦٣) ولكن الجغرافيين نقلوه بالتالى إلى شمال أرض الجزيرة بل وحددوه بجبل أرارات. ومن الأماكن التى لعبت دورا فى تاريخ الأديان يرد ذكر سيناء (٢٠ ٢٠ ، ٩٥ ٢) (٦٤) ، ووادى طوى القريب منها (٢٠ ١٢ ، ٧٩ ١٦) (٦٥). ومن مساكن الأمم البائدة يرد ذكر مواضع حقيقية وأخرى أسطورية مثل مدين (عشر مرات) (٦٦) والأيك (١٥ ٧٨ ، ٢٦ ١٧٦ ، ٣٨ ١٢ ، ٥٠ ١٣) (٦٧) والرسّ (٢٥ ٤٠ ، ٥٠ ١٢) (٦٨) والحجر (١٥ ٨٠) (٦٩) وإرم (٨٩ ٦) (٧٠). وخارج حدود الجزيرة العربية ورد ذكر «الأرض المقدسة» فلسطين مرة واحدة (٥ ٢٤) ومصر (٧١) أربع مرات وذلك بصدد تاريخ يوسف وموسى (١٠ ٨٧ ، ١٢ ٢١ ، ١٠٠ ، ٤٣ ٥٠) ، ومرة واحدة ذكرت بابل (٢ ٩٦) (٧٢). ولا يمكن ألا يسترعى الانتباه شح هذه المادة.
ولا يلبث الأفق أن يتسع بعض الشىء بذكر الشعوب المختلفة التى يرتبط باسمها أحيانا أسماء أتباع الديانات. وإذا كان القرآن قد استعمل فى عهده المكى كلمة «عربى» لتحديد اللغة التى أنزل بها فإن لفظ «العرب» لم يظهر فيه إلا فى العهد المدنى (عشر مرات) (٧٣). وليس للعرب الحضر تسمية خاصة بهم ، أما القبائل فلم يرد لها ذكر فى القرآن باستثناء قريش التى ورد ذكرها مرة واحدة فقط (١٠٦ ١) (٧٤). وإلى جانب اليهود والنصارى الذين ورد ذكرهم مرارا يرد بضع مرات ذكر الصابئة (٢ ٥٩ ، ٥ ٧٣ ، ٢٢ ١٧) (٧٥) ويرد مرة واحدة ذكر كل من المجوس ـ الفرس (٢٢ ١٧) (٧٦) والروم ـ البيزنطيين (٣٠ ١) (٧٧). ومن القبائل البائدة فى الجزيرة العربية ذكرت مرارا عاد (٧٨) وثمود (٧٩) ، وأقل من ذلك جاء ذكر سبأ (٢٧ ٢٢ ، ٣٤ ١٤) (٨٠) الذين لم يوضح القرآن بجلاء علاقتهم بقوم تبّع (٤٤ ٣٦ ، ٥٠ ١٣) (٨١).