وعند ذكر ذى القرنين فى القرآن يرد الكلام على ياجوج وماجوج (٢١ ٩٦ ، ١٨ ٩٣) الذين حبسهم الإسكندر وراء سد فى نهاية الحد الشمالى الشرقى للأرض ليحمى العالم منهم ، والذين سيظهرون فى آخر الزمان. وأخبار يأجوج ومأجوج ترجع إلى التوراة ولعها وصلت إلى محمد عن طريق الأساطير السريانية المتعلقة بالإسكندر (٨٢). وتحديد موطن هؤلاء الأقوام وموقع السد الذى يفصلهم عن بقية العالم قد شغل الجغرافيين العرب كثيرا وساق لا إلى ظهور أوهام وتخيلات غريبة فيما يتعلق بموضع إقامتهم فحسب بل وإلى رحلات واقعية للبحث عن السد نفسه. وكما هو معروف فإن يأجوج ومأجوج قد احتلا مكانة ملحوظة فى التصورات الجغرافية لأوروبا الوسيطة أيضا ونشأ من جراء ذلك أدب غنى خاص بهما (٨٣).
وأخيرا إذا ما حاولنا المقارنة بين المادة الجغرافية فى كل من الشعر الجاهلى والقرآن لخرجنا دون عناء بنتيجة مؤداها أن الشعر يزخر بالواقعية والصحة ، أما القرآن فالمادة الجغرافية فيه قليلة ولكنه فى مقابل ذلك مفعم بالنظريات المأخوذ أغلبها من مصادر خارجية ، وهى نظريات لم يستطع العلم الجغرافى العربى أن يتحمل دائما عبء تفسيرها.
وفى الأعوام العشرة الأولى للخلافة صادف اتساع المعلومات الجغرافية انعكاسا ضعيفا فى الأدب ، ومن المسلم به أن سيل الفتوحات العربية الجارف الذى حمل العرب بعيدا عن حدود جزيرتهم إلى مختلف الأقطار كان من شأنه أن يحدث تغييرا شاملا فى تصورهم للعالم ويؤدى بلا ريب إلى اتساع أفقهم الجغرافى نتيجة للتجربة المباشرة. غير أنه يلاحظ بشكل واضح أن النظرية قد اختلفت منذ البداية عن التجربة الواقعية ، كما وأن هذه التجربة الواقعية نادرا ما وجدت طريقها إلى الوسط العلمى آنذاك. ولقد نشأ العلم وترعرع خاصة بالمدينة وكان حملته صحابة محمد والتابعين ، أما هدفه الأساسى فهو دراسة القرآن وتدوين جميع ما يمت بصلة إلى محمد وخلفائه الأولين. ومن الجلى أن مثل هذا العلم لن يفسح المجال لأى نوع من المعلومات الجغرافية التى تجمعت فى الأوساط العسكرية والإدارية ؛ ومن ثم فقد سار اتساع الأفق الجغرافى فى اتجاه مضاد تماما إذ اقتصر على محاولات لتفسير وتأويل الإشارات الجغرافية الغامضة والنظريات التى أتى بها القرآن.
وتتوفر لدينا للحكم على هذا مادة هائلة من الأحاديث النبوية ، التى جمعت فيما بعد فى عدد من المجموعات. والمتعمق فى دراسة الحديث ، الذى ألقى عليه ضوءا لأول مرة المستشرقان سنوك هرخرونيه Snouck Hurgronje وغولد زهرGoldziher ، لا يمكنه بالطبع اعتبار جميع الأحاديث صادرة عن محمد ؛ وعلى أية حال فهى تعكس جيدا وجهات النظر السائدة فى القرن الأول من الهجرة. من تلك الأحاديث نعلم مثلا كيف دخل محمد فى نضال ضد تصورات الجاهلية القائلة بأن الأنواء والنجوم هى المسئولة عن تساقط المطر (٨٤) ؛ غير أن الأسماء الجغرافية فى الحديث نادرة الوجود كما هو الحال