تامة بالتراث العلمى لعصرهما. أحدهما هو نوبخت الذى انحدرت من صلبه دوحة إيرانية احتلت مكانا مرموقا فى ميدانى العلم والسياسة فى العصر العباسى (٥) ، أما الآخر فهو ما شاء الله الذى وإن كان يهوديا إلا أنه ارتبط ارتباطا وثيقا بالتراث الإيرانى (٦) ، وسيرد بالتالى ذكر استعماله «لزيج الشاه» الذى يرجع أصله إلى العهد الساسانى. والتأثير الإيرانى يمكن تتبعه ليس فى الأسماء فحسب بل أيضا فى المصطلحات التى وجدت طريقها إلى أوروبا الوسيطة بفضل الترجمات اللاتينية لمصنفات ما شاء الله الذى يرد اسمه باللاتينية على صورةMessahallath أوMesseallah (٧). ويمكن افتراض وجود علاقة بين هذا التراث الإيرانى والمدرسة الطبية الشهيرة لعهد الساسانيين بجنديسابور (٨) التى وإن كان أطباؤها جلهم من المسيحيين إلا أن لغتهم كانت الفارسية.
ونادرا ما اتسمت المصنفات الفلكية الإيرانية التى وصلت العرب فى ذلك العصر بالأصالة ، فهى كانت عادة تعكس العلم الهندى الذى وجد طريقه أيضا إلى العرب مباشرة. وتصور الرواية العربية هذه الصلة بالعلم الهندى على الطريقة الآتية : فقد كان من بين أعضاء السفارة الهندية إلى بلاط المنصور فى عام ١٥٤ ه ـ ٧٧١ أو عام ١٥٦ ه ـ ٧٧٣ عالم هندى هو مانكاManka أو كانكاKanka أحضر معه من الهند رسالة فى الفلك بجداولها أطلق عليها فى الترجمة العربية التى عملها الفزارى ويعقوب بن طارق اسم «كتاب السند هند» (٩). وكثير من جوانب هذه القصة غير واضح ابتداء من التردد فى الوقوف عند تاريخ محدد ، الأمر الذى يزيد فى تعقيده وجود رواية أخرى عن سفارة ثانية فى عام ١٦١ ه ـ ٧٧٧ ـ ٧٧٨ (١٠). غير أن أصل هذه الرسالة قد أمكن تحديده بكل ثقة وبدرجة كبرى من اليقين ألا وهو رسالة «براهما سفوطا سدانتا» Brahm asphutasiddhanta التى وضعها فى عام ٦٢٨ براهما غبتاBrahma Gupta (١١) ، ولفظ «سيدانتا» قد تحول فى الوسط العربى تحت تأثير الاشتقاق الشعبى إلى «السند هند» الذى تنعكس فيه التسمية العربية لشطرى الهند ، أى الهند والسند. ومعنى «سيدانتا» فى الأصل هو «المعرفة والعلم والمذهب» (١٢) ، ثم لم يلبث أن أطلق اصطلاحا على كل مصنف فى الفلك. والرسالة تحوى مقدمة وجيزة أرفق بها عدد من الجداول الفلكية فى تحركات الأجرام السماوية وطلوع ومغيب البروج. وقد حسبت هذه الحركات على أساس دورات زمنية تضم آلاف السنين وهى ما تسمى بالكلباKalpa التى تقوم على فرض مؤداه أنه فى بداية العالم كانت الشمس والقمر والكواكب مجتمعة على خط واحد وأنها سترجع إلى نفس الوضع فى نهاية العالم (١٣)
وقد ظلت هذه النظرية معروفة فى أوروبا لعهد طويل ، ولنذكر بهذه المناسبة أنه قد وردت فى «الكوميديا الإلهية» لدانتى Dante الأبيات الآتية :
«كان الوقت لحظة الصباح الأولى ، وقد ارتفعت الشمس محاطة بنفس تلك النجوم التى كانت