تصحبها منذ الأزل ، عندما حرك الحب الإلهى
تلك الأشياء الجميلة لأول مرة» (١٤).
والبرهان على ما بلغتة هذه النظرية من انتشار بين العرب يتضح من موضع فى «كتاب الشعر والشعراء» لابن قتيبة (المتوفى عام ٢٧٦ ه ـ ٨٨٩ م). فهو عند شرحه لبيت أبى نواس فى وصف الخمر :
تخيّرت والنجوم وقف |
|
لم يتمكن بها المدار |
كتب يقول :
«يريد أن الخمر تخيرت حين خلق الله الفلك ، وأصحاب الحساب يذكرون أن الله تعالى حين خلق النجوم جعلها مجتمعة واقفة فى برج ثم سيرها من هناك وأنها لا تزال جارية حتى تجتمع فى ذلك البرج الذى ابتدأها فيه وإذا عادت إليه قامت القيامة وبطل العالم. والهند تقول إنها فى زمان نوح اجتمعت فى الحوت إلا يسيرا منها فهلك الخلق بالطوفان وبقى منهم بقدر ما بقى منها خارجا عن الحوت. ولم أذكر هذا لأنه عندى صحيح بل أردت به التنبيه على معنى البيت ونظر هذا الشاعر فى هذا الفن» (١٥).
وفيما بعد استعمل الفلكى أبو معشر حساب التوقيت الذى يبدأ من الطوفان ، لأن الطوفان حدث فى لحظة اقتران جميع الكواكب فى نهاية دائرة البرج (١٦).
ومن العسير التكهن بالصيغة التى اتخذها كتاب «السند هند» فى الوسط العربى إذ أن نصه لم يحفظ لنا ، ومن العسير كذلك التكهن بطبيعة الدور الذى قام به كلا المترجمين فى هذا الصدد فالفزارى كان إلى عهد غير بعيد ، وذلك لتضارب المعلومات حوله فى المصادر الإسلامية ، يقصد به شخصان. وإحدى أيادى نالينوNallino العديدة على العلم هى إثبات اسمه الحقيقى (١٧). وقد استعمل الفزارى فى كتابه الأسس والمناهج الهندية فى الحساب لوضح جداول فلكية جديدة ـ زيج (١٨). وقد حفظ لنا الفزارى على العموم أصل المذهب الذى أطلق عليه فى العلم العربى «مذهب السند هند» ولكنه أجرى فيه بالطبع تعديلات وإضافات جوهرية وقام بتحويل حساب التوقيت الهندى إلى «سنى العرب» كما تقول المصادر ، أى أنه استبدل بنظام الكلبا حساب السنين القمرية المستعمل لدى المسلمين (١٩) ، أما إضافاته فقد بدت فى الاتساع الملحوظ فى المادة المتعلقة بأراضى الخلافة ؛ وفى القطعة من زيجة التى حفظها لنا المسعودى (٢٠) والتى يرد فيها تعداد البلدان الإسلامية يلاحظ اهتمامه بالعامل التاريخى وهو شىء غريب على الهند تماما. فلديه يظهر لأول مرة الرباط بين التاريخ والجغرافيا (٢١) الذى أصبح بالتالى طابعا مميزا لجميع مصنفات الأدب الجغرافى فى اللغة العربية. ومادة هذه القطعة تشير إلى أنها دونت عقب عام ١٧٠ ه ـ ٧٨٦ (٢٢) بقليل ويلوح أنه إلى نفس تلك الحقبة ترجع الصيغة النهائية لزيج الفزاوى.
إن نشاط الفزارى ومعاصريه كان بلا شك فاتحة عهد جديد فى تطور الفلك والجغرافيا الرياضية