ولقد كان خبيب بن عدى من الأبطال اللذين لا ينسى ذكرهم ، فهو الذى حصد بسيفه الكثير من رءوس المشركين يوم بدر ، وحين أسره المشركون ، صنعوا له صليبا من جزوع النخل وأوثقوه بالحبال ، وراحوا يرمونه بالسهام والرماح فى أماكن شتى ليشعر بالعذاب ، لكنه لم يغمض عينيه ولم تزايل السكينة المضيئة وجهه ، وحين يقترب منه أحد المشركين قائلا له : أ تحب أن محمدا مكانك وأنت سليما معافا فى أهلك ، فينتفض كالإعصار والدماء تترف من جسده صائحا" والله ما أحب أنى فى أهلى وولدى معى عافية الدنيا ونعيمها ، ويصاب رسول الله بشوكة (١) ... ، وهذا هو خالد بن سعيد الذى صبر على العذاب والجوع والحرمان فى سبيل الله ، حيث عذبه أبوه عذابا شديدا بسبب إسلامه ، ولقد قهر العذاب بالتضحية وانتصر على الجوع والحرمان بالإيمان حتى لحق بالنبى صلىاللهعليهوسلم وأعلن إسلامه ، وظل مجاهدا حتى نال الشهادة فى موقعه مرج الصفر بأرض الشام (٢) ... ، وهذا هو خالد بن الوليد الذى قضى حياته فوق ظهر جواده حاملا سيفه فى وجه الأعداء ، منطلقا فى قلب الصفوف لا يعرف التراجع ، قاهرا المرتدين فى حروب الردة ومسويا عرش فارس والروم وقاطعا الأرض وثبا يفتح بلاد المسلمين ، وهو رغم ذلك يموت على فراشه ، فيقول والدموع تسقط من عينه ، لقد غزوت كذا وكذا زحفا وما فى جسدى موضع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ثم ها أنا ذا أموت على فراشى كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء (٣) ، وهو الذى فى معركة اليرموك ينطلق على رأس مائة من المسلمين ، ثم ينقض على ميسرة الروم البالغ عددها أربعون ألفا فينتصر المسلمون القلة ويفر أمامهم أربعون ألفا من جنود الروم ... ، لقد كانوا مائة ، الرجل منهم بألف رجل ، وعلى أثر هذا المشهد الرائع أسلم أحد القواد من الروم وقتل شهيدا فى تلك المعركة ... ، ولقد كان عكرمة بن أبى جهل ينطلق بين صفوف الروم مناديا من يبايع على الموت فيبايعه المسلمون وينطلقون يشقون الصفوف فى قلب
__________________
(١) سبق الإشارة إلى هذا الموقف.
(٢) رجال حول الرسول ـ الحديث عن خالد بن الوليد.
(٣) نفس المرجع السابق.