الياس مما فى أيدى الناس" (١) ... ، وبذلك لم يخض لسانه فى فتنة ولم تهف نفسه إلى مطمع ... ، وهذا مصعب بن عمير الذى ترك كل أسباب الترف من أجل الإسلام وأبو ذر الغفارى الذى جهر بإسلامه فى المسجد ولاقى من المشركين أشد الإيذاء ... ، وبلال بن رباح الذى وضعه المشركون عريانا فوق الجمر وفوق الرمال الملتهبة فى أيام القيظ الشديدة ، ثم يأتون بالحجر الملتهب ، يحمله الرجال ثم يلقونه فوق جسده وصدره ، ولكنه ضرب أروع الأمثلة فى تحدى هؤلاء الكفرة وظل يردد ثابتا أحد أحد ... ، وهذا هو عبد الله بن مسعود أول من صدح بالقرآن الكريم فى وجه المشركين ولاقى ما لاقاه منهم دون أن يتزعزع .. ، وهذا هو حذيفة بن اليمان الذى نفذ أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو من أصعب المهام ، حين أمره بأن يتسلل إلى معسكر الأعداء ويقتحمه ليعرف أخبارهم يوم غزوة الخندق ، وحين اشتدت الريح وخيم الظلام على أرجاء المعسكر بعد انطفاء نيرانهم ، وعند ذلك يتسلل حذيفة ويأخذ مكانه بين صفوف المشركين ، وحين يدرك أبو سفيان خطورة الموقف ، فينادى قائلا : يا معشر قريش ، لينظر كل منكم جليسه ، وليأخذ بيده وليعرف اسمه فيقول حذيفة ، فسارعت إلى يد الرجل الذى بجوارى ، وقلت له من أنت فقال فلان بن فلان ، (٢) ويعد هذا الموقف من أخطر المواقف التى يمكن أن يتعرض لها رجل فى مثل تلك الظروف ، لذلك شارك بنجاح فى الكثير من الفتوحات الإسلامية كفتوح العراق جميعها ، ولقد كان الفتح بأمر الله على يديه فى الكثير من المواقع كهمدان والرى والدينور ، ولقد خاض معركة نهاوند العظمى ضد الفرس ، وانتهت المعركة بالهزيمة الساحقة للفرس رغم عددهم البالغ مائة وخمسين ألفا ، وكانت من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا ، فلقد كان حذيفة بتأييد الله واسع الذكاء ، متنوع الخبرة فى المعارك ، عالما بأمر الدنيا والآخرة ، فكان يقول للمسلمين ليس خياركم اللذين يتركون الدنيا للآخرة ولا اللذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن اللذين يأخذون من هذه ومن هذه ، وحين جاء الموت ،
__________________
(١) أمثلة ومواقف عن الصحابى ـ أبى أيوب الأنصارى ـ المرجع السابق.
(٢) رجال حول الرسول ـ الحديث عن موقف الصحابى ـ حذيفة بن اليمان ـ رضى الله عنه.