سمعه الحاضرون يقول ، مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق لا أفلح من ندم (١) ... ، وهذا هو عمار بن ياسر الذى صمد بإسلامه فى وجه المشركين صمودا ظل محفورا على وجه التاريخ حتى يومنا هذا ، لقد لاقى من العذاب هو ووالده وأمه سميه ، ما لا يتحمله أحد من أقوياء العقيدة والإيمان فلقد كان المشركون يخرجون بهم إلى الصحراء الملتهبة ويصبون عليهم من ألوان العذاب ما لا يطيقونه ... ، لقد أراد الله أن تكون هذه الأسرة الكريمة مثالا لكل مؤمن ينهج طريق الإيمان أنه لا بد عليه من الصبر على المكاره إذا كانت الجنة هى نهاية الطريق ... ، ولقد كان المشركون بسبب صلابة عمار يتفنون فى صنع ألوان العذاب به ، فلقد كانوا يحرقون جسده بالنار ، ثم يلقونه فوق الحجارة الملتهبة ، ثم يغطونه فى الماء حتى تنسلخ قروحة وتختنق انفاسه ، وطعن أبو جهل أمه فى موضع عفتها فقتلها (٢) ، لقد صبرت تلك الأسرة الكريمة وثبتت على إيمانها رغم كل المكاره ... ، ولقد كان كلام النبى صلىاللهعليهوسلم له أبلغ الأثر فى تثبيت أصحابه حيث وضح لهم أن الرجل ممن كانوا قبلهم ، كان يؤتى به ثم ينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه فلا يثنيه ذلك عن دينه ، وقال صلىاللهعليهوسلم" من عادى عمارا أبغضه الله" وحين يسقط على عمار جدارا كان يعمل تحته ، ويظن الصحابة أنه مات ، فيقول النبى صلىاللهعليهوسلم ما مات عمار ... ، تقتل عمارا الفئة الباغية".
وفى موقعة صفين كان يقاتل ببسالة ، وكان يردد اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه" ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا قتله ما استطاعوا حتى لا يتنبه الناس أنهم الفئة الباغية ، ولكن شجاعة عمار الذى كان يقاتل كأنه جيشا وحده أفقدتهم صوابهم ، وتمكن منه بعض جنود معاوية فقتلوه ، وحين شاع الخبر عرف الناس أن من قتلوه هم الفئة الباغية ، فثبت أصحاب على بن أبى طالب فى المعركة ، وتهيأ بعض جنود معاوية إلى الانضمام إلى صفوف على بن ابى طالب ، ولقد صدق توقعه حين كان
__________________
(١) نفس المرجع السابق.
(٢) أنظر رجال حول الرسول.