يقول تعالى (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١) ، ومن ذلك نجد أن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذى أراده بمعناه فى الأزل فى ذاته العلية التى ترتفع فوق عالم المادة والمكان والزمن ثم أختار له القول بأصفى اللغات وهى اللغة العربية والتى تحتوى كل الأسرار الفطرية ، والكونية ، والحسابية والبلاغية ، وغيرها ، ثم كان ألفاظا منطوقة بما يناسب عالمنا المادى ، لذلك فالقرآن الكريم هو انعكاس لكلمات الله تعالى التى أرادها أزلا وكانت فى اللوح المحفوظ حتى أذن بها بألفاظ من وحيه سبحانه وفيها العلاج لكل قضايا عالمنا المادى المخلوق ... ، ولأن الله تعالى هو الخالق الواحد فإن الغاية فى الكون كله واحدة فلا يوجد أكثر من إله وإلا لتعددت الغايات ... ، لذلك نجد أن عالم المادة المخلوق بأمر الله غايته واحدة وينتظم فى وحدة واحدة من الذرة إلى المجرة فى قانون واحد وهو الدوران والطواف وفى اتجاه واحد عكس عقارب الساعة كطواف البشر حول البيت الحرام ... ، وكذلك فإن عناصر الإنسان هى نفس عناصر الأرض وعناصر الأرض هى نفس عناصر الأفلاك الأخرى ... ، فهناك وحدة فى الخلق تدل على أن الغاية واحدة ، والخالق واحد لا شريك له ... ، لذلك فإن الذات الإلهية تعلو فوق كل مقاييس المخلوقات ، وأثناء الحديث عن الذات الإلهية وصفاتها يجب رفع الكيفية والظرفية المكانية والزمانية ، فإرادة الله تعالى هى أمره بكن فيكون والمشيئة هى إرادة الله مع تسخير الأسباب التى يعلمها البشر فى إطار المكان والزمان ، يقول تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢).
وكذلك فإن كل ما فى الكون من كائنات وعلوم وهدى وضلال لا يخرج عن مشيئة الله وعلمه بالحكمة من ذلك ، يقول تعالى (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (٣) ويقول تعالى (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) (٤) فإرادة الله تختلف عن المشيئة فى كون أن المشيئة تحتمل
__________________
(١) سورة ق الآية ١٨.
(٢) سورة التكوير الآية ٢٩.
(٣) سورة الحج الآية ١٨
(٤) سورة النور الآية ٤٥