الفجر بوضوء العشاء أربعون سنة ، وملأ الدنيا علما وفقها ... ، وهذا هو عمر بن عبد العزيز الذى لم يترك شيئا لأولاده عند موته لحرصه على مصالح المسلمين ، فيقول أحد المشاهدين وهو مقاتل بن سليمان وهو ينصح الخليفة فى عصره قائلا : لقد مات الخليفة هشام بن عبد الملك وميراث إحدى زوجاته ثمانون ألف دينار بخلاف القصور والضياع ، ولقد مات الخليفة عمر بن عبد العزيز وميراثه ثمانية وأربعون دينارا ، اشتروا له كفنا بتسعة ومقبرة بسبعة والباقى وزع على أولاده وكانوا اثنى عشر ولدا ... ، والله لقد رأيت أحد أبناء الخليفة هشام بن عبد الملك يمد يده فى الطرقات يسأل الناس إلحافا ثم تلا قوله تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) ... ، وهذا هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه يرى فى منامه غلاما أشجا فينهض متعجبا يردد" من هذا الأشج من بنى أمية ، ومن ولد عمر ، يسير بسيرة عمر ، ويملأ الأرض عدلا" وحين دخل عمر بن عبد العزيز يوما حظيرة الخيل ، فركضه جواد فشجه وأدماه ، وجاء أبوه يضمد جرحه ويمسح الدم عن وجهه الشاحب الوديع وهو يقول : " إن تكن أشج بنى أمية إنك إذن لسعيد" ... ، وبالفعل كان هو أشج بنى أمية ونبوءة جده عمر بن الخطاب ... ، ولقد صلى بالناس صلاة الاستسقاء فى إحدى أعوام القحط فهطل المطر على غير موعد ... ، وصلى وراءه أنس بن مالك صاحب رسول الله ، فقال ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله من هذا الرجل (١). ونلاحظ أن أنس بن مالك عاصر عهد عمر بن عبد العزيز لدعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم له حين جاءت به أمه تقول : يا رسول الله ، هذا أنس غلامك يخدمك فادع الله له" ، فقبله رسول الله بين عينيه ودعا له دعوته قائلا : " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له وأدخله الجنة" فعاش أنس تسعا وتسعين سنة ورزق من البنين والحفدة الكثيرين ، ورزقه الله بستانا رحبا يحمل الفاكهة فى العام مرتين (٢) ... ، وأما أخوه البراء بن مالك فكانت أمانيه تنحصر فى الشهادة
__________________
(١) نفس المرجع السابق.
(٢) أنظر دلائل النبوة ـ للبيهقى ـ عن معجزات النبى صلىاللهعليهوسلم.