ولا منافاة بين ما يد يتوهّمه غير المتأمل في مغازي الكلام ، من قولها في هذا الحديث : «فجاء بها إلى الكعبة» وبين ما هو مذكور في حديث يزيد بن قَعنب : من أنّ دخول فاطمة البيت لم يكن بمجيء أبي طالب بها ، وأنّه كان من خوارق العادات ، لانشقاق الجدار من وراء الكعبة ، والتثام الفتحة بعد دخولها ، وعدم انفتاح رتاج (١) الباب بالرغم من معالجة القوم من فتحه ، وأنّها أكلت فيها من ثمار الجنّة ، وهتف بها الهاتف لمّا أرادت الخروج.
وفي روية اُخرى : أنّه نزلت نسوة من السماء لِيَلينَ من أمرها ما تلي النساء من النساء.
إنّ هذه الرواية لم تتعهد بسرد تفاصيل القصّة بحذافيرها ، وإنّما أرادت الرواية لها إشارة إجالية إلى مولد الإمام عليه السّلام ، والتذكير لفضله الباهر يوم ميلاده.
فمن المحتمل أن يكون ما شاهده فريق من بني هاشم ، وفريق من بني عبد العزّى من أمر فاطمة بنت أسد المذكور في خبر ابن قَعنب ، ودعائها ، ودخولها البيت ، كان بعد ما جاء بها أبو طالب ـ سلام الله عليه ـ أهمله ابن قَعنب كما أهملت هذه الرواية أشياء اُخرى من حديثه ، للاختصار.
وليس في حديث ابن قعنب أيّ صراحة في أنّ أبا طالب لم يأت بها إلى فِناء البت ، ولا في هذا الحديث نصّ بأنّه هو الذي باشر إدخالها البيت ، وإنّما هو ظهور متضائل.
فلا تنافي بين النقلين حتّى ينتهزه المريض قلبه فرصةً لقلب الحقائق.
وروى أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الشافعي الكنجيّ الحافظ ، المتوفّى سنة (٦٥٨ ه) في (كفاية الطالب) في الباب السابع من الأبواب الاثني عشر ، التي ذكرها في اُخريات الكتاب بعد تمام الأبواب المائة ، قال :
__________________
(١) الرتاج : القفل. مجمع البحرين ـ رتج ـ ٢ : ٣٠٢.