وتعالى ، وكانت هذه الولادة «إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها» كما يقول عباس محمود العقاد (١) ، حتى استشهاده في محراب صلاته في بيت آخر من بيوت الله في مسجد الكوفة ، وهي ولادة ثانية له ، ولكن هذه المرّة حيث جوار الله سبحانه وتعالى وحيث الحياة الأبدية التي فيها الخلود وحيث الأنبياء والصدّيقون.
الولادة في هذه البقعة المباركة المقدّسة تعدّ أولى مناقبه عليه السلام التي كرّمها الله فيها ، والتي لم تنجُ من كيد أعدائه وحقدهم وحسدهم ، فراحت جهودهم تتضافر وأقلامهم المأجورة تنشط لتكيد كيدها لهذه الفضيلة ، وبما أنّهم لا يستطيعون نكرانها بالمرّة لشهرتها وتواترها ، اختلقوا ولادة اُخرى ؛ ولادة حكيم بن حزام في الكعبة ، ليصلوا من خلال ذلك إلى أنّ ولادة عليّ لا تعدّ منقبةً يفتخر بها أحبّاؤه وأولياؤه ، وهي ليست كرامة له ، فقد وُلِدَ غيره داخل الكعبة ، فلماذا لا نعدّها كرامة أيضاً؟ وعلى فرض أنّها كرامة له فلم يتفرّد بها ؛ لأنّ حكيماً ولد هو الآخر في الكعبة ، وبالتالي توهين هذه المنقبة.
وحكيم هذا هو ابن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة (٢) ، فهو ابن أخ لخديجة بنت خويلد (أُم المؤمنين رضوان الله عليها) ويلتقي بمصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير المتوفى سنة ست وثلاثين ومائتين الذي كان من رواة ولادته في الكعبة إلّا أنّه تفرّد بإضافة منه (ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في الكعبة أحد) لمآرب في نفسه ، يلتقي به في جدّهم خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرّة.
علماً بأنّ هذه الإضافة لم أجدها عند غيره ممّن رووا ولادة حكيم في الكعبة وكلّهم كانوا في القرن الثالث للهجرة ، فهي قصّة ولدت متأخّرة جدّاً ومقطوعة الإسناد وتعاني من ضعف رواتها وشذوذها.
__________________
(١) المجموعة الكاملة ٢ : ٣٥.
(٢) تاريخ دمشق ١٥ : ٩٣.