«ورُوِيَ : أنّها ـ يعني فاطمة بنت أسد ـ ولدته في الكعبة ، ولا نظير له في هذه الفضيلة» (١).
ليس قصده من إيرادها بلفظ «رُويَ» إسنادها إلى رواية مجهولة ، وإنّما جرى فيها على دينه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة ، مقطوعةً عن الأسانيد لشهرتها ، وتضافر النقل لها ، تداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها ، وإشاذة بذكرها على نحو الاختصار ، وعلى ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها.
ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متكّيء ولا مُتَلعثِم : «ولا نظير له ...» كجازمٍ بحقيقتها ، مؤمنٍ بصحّتها وتواترها ، وإلّا لَلَفظها كما هودأبه في غير واحد من الأحاديث.
ولم يشذّ عنه أخوه الشريف الرضيّ ، المتوفّى سنة (٤٠٦ ه) في (خصائص الأئمّة) قال : «وُلِدَ (٢) في البيت الحرام ، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجبٍ ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو أوّل هاشميّ في الإسلام ولد من هاشمٍ مرّتين ، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره» (٣).
ومن عرف الشريف ونفسيته العالية ، وأخذه الحذر عمّا يمسّ شرفه وكرامة نفسه في القول والعمل ، يعلم أنّه لم يتلفّظ بهذه الكلمة ، إلّا بعد أن وجدها حقيقةً ناصعة ، يذعن بها نُقّاد فنّ الحديث ، وناهيك به خطراً لها واعتباراً.
ولقد حذا حذوَ الشريفين شيخُ الطائفة ، الإمامُ المقدّمُ أبو جعفر ، محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة (٤٦٠ ه) في كتابه (التهذيب) الذي هو ثالث
__________________
(١) شرح القصيدة المذهّبة : ٥١.
(٢) في الخصائص : ولد عليه السّلام بمكّة.
(٣) خصائص الأئمّة : ٣٩.