عمرو وأبو بكر عنه بالتاء والنصب على أن الاسم (أَنْ قالُوا) ، والتأنيث للخبر كقولهم من كانت أمك والباقون بالياء والنصب. (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) يكذبون ويحلفون عليه مع علمهم بأنه لا ينفعهم من فرط الحيرة والدهشة ، كما يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها). وقد أيقنوا بالخلود. وقيل معناه ما كنا مشركين عند أنفسنا وهو لا يوافق قوله.
(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٢٥)
(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي بنفي الشرك عنها ، وحمله على كذبهم في الدنيا تعسف يخل بالنظم ونظير ذلك قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) وقرأ حمزة والكسائي ربّنا بالنصب على النداء أو المدح. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الشركاء.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) حين تتلو القرآن ، والمراد أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم ، اجتمعوا فسمعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ القرآن فقالوا للنضر ما يقول ، فقال : والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم عن القرون الماضية ، فقال أبو سفيان إني لأرى حقا فقال أبو جهل كلا. (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغطية جمع كنان وهو ما يستر الشيء. (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة أن يفقهوه. (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) يمنع من استماعه ، وقد مر تحقيق ذلك في أول «البقرة». (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم. (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) أي بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنهم جاءوك يجادلونك ، وحتى هي التي تقع بعدها الجمل لا عمل لها ، والجملة إذا وجوابه وهو (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فإن جعل أصدق الحديث خرافات الأولين غاية التكذيب ، ويجادلونك حال لمجيئهم ، ويجوز أن تكون الجارة وإذا جاءوك في موضع الجر ويجادلونك حال ويقول تفسير له ، والأساطير الأباطيل جمع أسطورة أو أسطارة أو أسطار جمع سطر ، وأصله السطر بمعنى الخط.
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢٧)
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) أي ينهون الناس عن القرآن ، أو الرسول صلىاللهعليهوسلم والإيمان به. (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) بأنفسهم أو ينهون عن التعرض لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وينأون عنه فلا يؤمنون به كابي طالب. (وَإِنْ يُهْلِكُونَ) وما يهلكون بذلك. (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) أن ضرره لا يتعداهم إلى غيرهم.
(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) جوابه محذوف أي : لو تراهم حين يوقعون على النار حتى يعاينوها ، أو يطلعون عليها ، أو يدخلونها فيعرفون مقدار عذابها لرأيت أمرا شنيعا. وقرئ «وقفوا» على البناء للفاعل من وقف عليها وقوفا. (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ) تمنيا للرجوع إلى الدنيا. (وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) استئناف كلام منهم على وجه الإثبات كقولهم : دعني ولا أعود ، أي وأنا لا أعود تركتني ، أو لم تتركني أو عطف على نرد أو حال من الضمير فيه فيكون في حكم التمني ، وقوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) راجع إلى ما تضمنه التمني من الوعد ، ونصبهما حمزة ويعقوب وحفص على الجواب بإضمار أن بعد الواو إجراء لها مجرى الفاء. وقرأ ابن عامر برفع الأول على العطف ونصب الثاني على الجواب.