ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ، ليقضي الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم ، ثم إليه مرجعكم بالحساب ، ثم ينبئكم بما كنتم تعملون بالجزاء.
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ)(٦٢)
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) ملائكة تحفظ أعملكم ، وهم الكرام الكاتبون ، والحكمة فيه أن المكلف إذا علم أن أعماله تكتب عليه وتعرض على رؤوس الأشهاد كان أزجر عن المعاصي ، وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه. (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) ملك الموت وأعوانه. وقرأ حمزة «توفاه» بالألف ممالة. (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) بالتواني والتأخير. وقرئ بالتخفيف ، والمعنى : لا يجاوزون ما حد لهم بزيادة أو نقصان.
(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) إلى حكمه وجزائه. (مَوْلاهُمُ) الذي يتولى أمرهم. (الْحَقِ) العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وقرئ بالنصب على المدح. (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) يومئذ لا حكم لغيره فيه. (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) يحاسب الخلائق في مقدار حلب شاة لا يشغله حساب عن حساب.
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)(٦٤)
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) من شدائدهما ، استعيرت الظلمة للشدة لمشاركتهما في الهول وإبطال الإبصار فقيل لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب ، أو من الخسف في البر والغرق في البحر. وقرأ يعقوب (يُنَجِّيكُمْ) بالتخفيف والمعنى واحد. (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) معلنين ومسرين ، أو إعلانا وإسرارا وقرأ أبو بكر هنا وفي «الأعراف» (وَخُفْيَةً) بالكسر وقرئ «خيفة». (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) على إرادة القول أي تقولون لئن أنجيتنا. وقرأ الكوفيون «لئن أنجانا» ليوافق قوله (تَدْعُونَهُ) وهذه إشارة إلى الظلمة.
(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها) شدده الكوفيون وهشام وخففه الباقون. (وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) غم سواها. (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) تعودون إلى الشرك ولا توفون بالعهد ، وإنما وضع تشركون موضع لا تشكرون تنبيها على أن من أشرك في عبادة الله سبحانه وتعالى فكأنه لم يعبده رأسا.
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ)(٦٦)
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل. (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) كما أغرق فرعون ، وخسف بقارون. وقيل من فوقكم أكابركم وحكامكم ومن تحت أرجلكم سفلتكم وعبيدكم. (أَوْ يَلْبِسَكُمْ) يخلطكم. (شِيَعاً) فرقا متحزبين على أهواء شتى ، فينشب القتال بينكم قال :
وكتيبة لبستها بكتيبة |
|
حتّى إذا التبست نفضت لها يدي |
(وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) يقاتل بعضكم بعضا. (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) بالوعد والوعيد.
(لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).