(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) أي بالعذاب أو بالقرآن. (وَهُوَ الْحَقُ) الواقع لا محالة أو الصدق. (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) بحفيظ وكل إلي أمركم فأمنعكم من التكذيب ، أو أجازيكم إنما أنا منذر والله الحفيظ.
(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧) وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٦٨)
(لِكُلِّ نَبَإٍ) خبر يريد به إما بالعذاب أو الإيعاد به. (مُسْتَقَرٌّ) وقت استقرار ووقوع. (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عند وقوعه في الدنيا والآخرة.
(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) فلا تجالسهم وقم عنهم. (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أعاد الضمير على معنى الآيات لأنها القرآن. (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) بأن يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي. وقرأ ابن عامر (يُنْسِيَنَّكَ) بالتشديد. (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى) بعد أن تذكره. (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي معهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر دلالة على أنهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والاستعظام.
(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٦٩)
(وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ) وما يلزم المتقين من قبائح أعمالهم وأقوالهم الذين يجالسونهم. (مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) شيء مما يحاسبون عليه. (وَلكِنْ ذِكْرى) ولكن عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها وهو يحتمل النصب على المصدر والرفع على ولكن عليهم ذكرى ، ولا يجوز عطفه على محل من شيء لأن من حسابهم يأباه ولا على شيء لذلك ولأن من لا تزاد في الإثبات. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يجتنبون ذلك حياء أو كراهة لمساءتهم ، ويحتمل أن يكون الضمير للذين يتقون والمعنى : لعلهم يثبتون على تقواهم ولا تنثلم بمجالستهم. روي : أن المسلمين قالوا لئن كنا نقوم كلما استهزءوا بالقرآن لم نستطع أن نجلس في المسجد الحرام ، ونطوف ، فنزلت.
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ)(٧٠)
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) أي بنوا أمر دينهم على التشهي وتدينوا بما لا يعود عليهم بنفع عاجلا وآجلا ، كعبادة الأصنام وتحريم البحائر والسوائب ، أو اتخذوا دينهم الذي كلفوه لعبا ولهوا حيث سخروا به ، أو جعلوا عيدهم الذي جعل ميقات عبادتهم زمان لهو ولعب. والمعنى أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم ، ويجوز أن يكون تهديدا لهم كقوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) ومن جعله منسوخا بآية السيف حمله على الأمر بالكف عنها وترك التعرض لهم (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) حتى أنكروا البعث. (وَذَكِّرْ بِهِ) أي بالقرآن. (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ) مخافة أن تسلم إلى الهلاك وترهن بسوء عملها. وأصل الإبسال والبسل المنع ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه ، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه وهذا بسل عليك أي حرام. (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) يدفع عنها العذاب. (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ) وإن تفد كل فداء والعدل الفدية لأنها تعادل المفدي وها هنا الفداء وكل نصب على المصدرية. (لا يُؤْخَذْ مِنْها) الفعل مسند إلى منها لا إلى ضميره بخلاف قوله : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) فإنه المفدى به. (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما