اشتراط الصبر والتقوى عن المخالفة ، فلما لم يصبروا عن الغنائم وخالفوا أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم لم تنزل الملائكة. (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) إنكار أن لا يكفيهم ، ذلك وإنما جيء بلن إشعارا بأنهم كانوا كالآيسين من النصر لضعفهم وقلتهم وقوة العدو وكثرتهم. قيل أمدهم الله يوم بدر أولا بألف من الملائكة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف. وقرأ ابن عامر (مُنْزَلِينَ) بالتشديد للتكثير أو للتدريج.
(بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(١٢٥)
(بَلى) إيجاب لما بعد لن ، أي بلى يكفيكم. ثم وعد لهم الزيادة على الصبر والتقوى حثا عليهما وتقوية لقلوبهم فقال : (إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ) أي المشركون. (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) من ساعتهم هذه ، وهو في الأصل مصدر من فارت القدر إذ غلت ، فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي لا ريث فيها ولا تراخي ، والمعنى إن يأتوكم في الحال. (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) في حال إتيانهم بلا تراخ ولا تأخير. (مُسَوِّمِينَ) معلمين من التسويم الذي هو إظهار سيما الشيء لقوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه. «تسوموا فإن الملائكة قد تسومت». أو مرسلين من التسويم بمعنى الأسامة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بكسر الواو.
(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ)(١٢٧)
(وَما جَعَلَهُ اللهُ) وما جعل إمدادكم بالملائكة. (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) إلا بشارة لكم بالنصر. (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) ولتسكن إليه من الخوف. (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا من العدة والعدد ، وهو تنبيه على أنه لا حاجة في نصرهم إلى مدد وإنما أمدهم ووعد لهم به بشارة لهم وربطا على قلوبهم ، من حيث إن نظر العامة إلى الأسباب أكثر ، وحثا على أن لا يبالوا بمن تأخر عنهم. (الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب في أقضيته. (الْحَكِيمِ) الذي ينصر ويخذل بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة والمصلحة.
(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) متعلق بنصركم ، أو (وَمَا النَّصْرُ) إن كان اللام فيه للعهد ، والمعنى لينقص منهم بقتل بعض وأسر آخرين ، وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من صناديدهم. (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أو يخزيهم ، والكبت شدة الغيظ ، أو وهن يقع في القلب ، وأو للتنويع دون الترديد (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) فينهزموا منقطعي الآمال.
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ)(١٢٨)
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) اعتراض. (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) عطف على قوله أو يكبتهم ، والمعنى أن الله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا وليس لك من أمرهم شيء ، وإنما أنت عبد مأمور لإنذارهم وجهادهم. ويحتمل أن يكون معطوفا على الأمر أو شيء بإضمار أن ، أي ليس لك من أمرهم أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم شيء. أو ليس لك من أمرهم شيء ، أو التوبة عليهم أو تعذيبهم. وأن تكون أو بمعنى إلا أن. أي ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتسر به أو يعذبهم فتتشفى منهم. روي (أن عتبة بن أبي وقاص شجه يوم أحد وكسر رباعيته ، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم) فنزلت. وقيل هم أن يدعوا عليهم فنهاه