وقد وجد الثعالبي أن الاقتباس من القرآن الكريم ظاهرة عامة في الأدب العربي ، والرسول صلىاللهعليهوسلم نفسه وهو أفصح العرب لهجة ، وأحسنهم فصاحة وبيانا ، قد اقتبس من معاني القرآن وألفاظه الكثير في حديثه وخطبه ، وكذلك فعل السلف الصالح من الصحابة والتابعين لكن الثعالبي لم يكتف بإيراد هذه الأقوال المأثورة عن الرسول صلىاللهعليهوسلم وصحابته ، بل تجاوزها إلى الشعراء والأدباء بدءا من عصر صدر الإسلام حتى شعراء زمانه إلا أن نصوصه الشعرية والأدبية جاءت موزعة حسب الأبواب والفصول ، وما اختار لها من موضوعات لا حسب الشخصيات والعصور. لذا تجدها موزعة يجمعها رباط واحد هو الموضوع أو المحور الذي عنون به الباب أولا والفصول التي اندرجت تحته ثانيا. فقد يختار من الرسالة الواحدة أكثر من فقرة ويوردها في أكثر من فصل لأن كل فقرة تتحدث عن فكرة معينة يمكن أن تدرج ضمن عنوان خاص في فصل يختاره لها فقد وجدناه مثلا يلجأ إلى رسالة واحدة من رسائل أبي إسحاق الصابي فيقسمها في ذهنه إلى معان يوزعها على أكثر من فصل ففي الباب الثامن عشر الذي ذكر فيه فضل الخط والكتاب والحساب وفصوص من فصول العهود وقسمه إلى (٤١) فصلا تمثل بكتابات أبي إسحاق الصابي وابن العميد والإسكافي وفي فصل ما قيل في (تقوية أيدي الحكام والعمال) اقتبس فقرة من نسخة العهد الذي كتبه أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله إلى أبي الحسين علي بن ركن الدولة الملقب بفخر الدولة (١) ، وتبعه فصل في (اختيار العمال وتوصية كل منهم ما يقتضيه عمله) اختار له أيضا من الرسالة ذاتها ، ثم تبعه فصل في (تعيير الموازين والمكاييل والمنع من التطفيف) ونصه الوحيد الذي أورده في هذا الفصل هو من عهد أبي إسحاق الصابي .. كل هذا بتقسيم واع لمنهجه في اختيار النصوص وفق المعاني التي تتفرع من موضوع الباب الكبير الذي يكتب فيه.
لقد قسم الثعالبي كتابه إلى خمسة وعشرين بابا وقسم كل باب إلى فصول تفاوتت في الطول والقصر وتفاوت عددها في كل باب وعدد النصوص التي اندرجت تحتها.
فالباب الأول في التحاميد المقتبسة من القرآن وما يتصل بها من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ، وذكر طرف من فضله ونعمته وسعة رحمته وسائر صفاته وأفعاله ـ جلّ جلاله ـ
__________________
(١) راجع الرسالة في المختار من رسائل الصابي : ٩٦ ، ١٠٨.