هو مألوف في كتب الثعالبي من منهج ومادة ، فضلا عما يعزز القناعة بهذه الحقيقة من أن عنوان الباب الثالث والعشرون هو في فنون شتى مختلفة الترتيب. وهو عنوان يستخدمه الثعالبي عادة في الفصول الختامية من كتبه) (١).
إن هذا الرأي يعتمد على فرضيتين :
الأولى : إن البابين الأخيرين بعيدان عما هو مألوف في كتب الثعالبي منهجا ومادة ، والواقع أن طبيعة كتاب الاقتباس ومادته تختلف بحد ذاتها عن مواد كتب الثعالبي الأخرى فهي تدور جميعها حول القرآن الكريم وما اقتبس من آياته وألفاظه فإذا راجعت البابين الأخيرين وجدتهما لم يخرجا عن إطار الأبواب السابقة ؛ لكونهما مستمدين من القرآن الكريم. فجميع فصول الأدعية والأحراز إنما هي اقتباسات من آي الذكر الحكيم. وحري بالثعالبي أن يختم كتابه بهما بعد أن تطرق إلى سائر الموضوعات والمعاني التي تدور على ألسنة الكتاب والشعراء. وقد مرّ بنا أن الثعالبي قسم البابين الأخيرين إلى فصول متبعا المنهج نفسه الذي سار عليه في سائر أبواب الكتاب. ويجرنا هذا القول إلى ملاحظة أخرى لها علاقة بفكرة كون البابين الأخيرين مختلفين عما هو مألوف في كتب الثعالبي وهي أن موضوع كتاب الاقتباس ألزمت الثعالبي ، أن تكون نصوصه في جميع أبواب الكتاب من نمط النصوص المختارة ، وعلى مستوى رفيع من الجمال الفني ، والترفع عن الابتذال والمجون ، وكل ما يخدش الذوق والأخلاق. فالثعالبي لم يختر إلّا الاقتباس الجيد من القرآن الكريم ، لذا وجدنا نصوصه في هذا الكتاب رفيعة بخلاف نصوصه في كتبه الأخرى التي تجدها متنوعة بتنوع الشعراء الذين يتمثل بهم ، أو يترجم لهم. أما موضوع كتاب الاقتباس فقد أظهر ذوق الثعالبي الرفيع في اختيار النصوص شعرا ونثرا ؛ لأن قصده كما أوضحه في مقدمة كتابه هو إبراز فضل القرآن الكريم في مدّ السلف الصالح من الصحابة والأدباء والشعراء بمعين من الأفكار والصور الثرة التي استمدوها من القرآن الكريم ، ووشحوا بها مخاطباتهم ومحاوراتهم وأشعارهم ليمنحوا كتاباتهم شيئا من جمال الآيات القرآنية ، وروعة معانيها وإشاراتها. وقد
__________________
(١) دراسة توثيقية : ٢٥٣ ، ٢٥٤.