واخترته من اللمع والفقر ، والنكت (١) من اقتباس الناس على اختلافهم طبقاتهم ، وتفاوت درجاتهم من كتاب الله عز اسمه في خطبهم ومخاطباتهم وحكمهم ، وآدابهم ، وأمور معاشهم ومعادهم ، وفي مكاتباتهم ، ومحاوراتهم ، ومواعظهم ، وأمثالهم ، ونوادرهم ، وأشعارهم ، وسائر أغراضهم. وضمنته من محاسن انتزاعهم وبدائع اختراعاتهم ، وعجائب استنباطاتهم ، واحتجاجاتهم منه ، ما ليس السوقة بأحوج إليه من الملوك ، ولا الكتاب ، والشعراء بأرغب فيه من الفقهاء والعلماء ، ولا المجان والظرفاء بأحرص عليه من الزهاد والحكماء ، إذ هو مقتبس الألفاظ ، والمعاني من أحسن الكلام ، وأقوم النظام ، وأنور النور ، وأشفاه لما في الصدور ، ذلك كلام ربّ العزة ، وبيانه ، ووحيه وفرقانه ، وخير كتبه أنزله على خير رسله محمد المصطفى صلىاللهعليهوسلم وآله حين جمرات الخطابة متوقدة ، وأسلحة البلاغة مسددة ، وأسواق الفصاحة (٢) نافقة وأعلام السلاطة خافقة ، والقوم إذ يسلقون الناس بألسنة كالسيوف ، ويرمون من أفواههم بقوارع كالحتوف ، بين شيطان مريد لسانه أمضى من سنانه ، وجبار عنيد كلامه أنفذ من سهامه فما هؤلاء (إلا) (٣) أن صكّ أسماعهم هذا القول الفصل الجزل ، والسهل القريب ، البعيد ، العجيب ، تلوح عليه سمات الإعجاز بين الإطالة والإيجاز ، وتتراءى فيه أوضح المحجة ، وأبين الحجة وتكشف (٤) به الأدلة وتزاح العلة ، حتى أذعنوا صاغرين لفضله ، وأقروا بالعجز عن الإتيان (٥) بمثله ، وأيقن ـ إلا من ضرب على أذنه ، وطبع على قلبه ـ أنه معجزة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ودليله ، وبرهانه ، كما كانت آية موسى عليهالسلام في تلقف عصاه ما يأفكون ، وبروز (٦) يده بيضاء من غير سوء (٧) معجزة له في زمان السحرة
__________________
(١) في الأصل : (وافقر والنكت والنقر).
(٢) النافقة : الرائحة.
(٣) زيادة ليست بالأصل.
(٤) في الأصل : (ويتكشف).
(٥) في الأصل : (الإيتان).
(٦) من قوله تعالى في سورة الأعراف : ١١٧ (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).
(٧) من قوله تعالى في سورة طه : ٢٢ (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) وانظر سورة القصص ٣٢.