(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١٥٦)
____________________________________
الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) وهم الذين انهزموا يوم أحد حسبما مرت حكايتهم (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) أى إنما كان سبب انهزامهم أن الشيطان طلب منهم الزلل (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) من الذنوب والمعاصى التى هى مخالفة أمر النبى صلىاللهعليهوسلم وترك المركز والحرص على الغنيمة أو الحياة فحرموا التأييد وقوة القلب وقيل استزلال الشيطان توليهم وذلك بذنوب تقدمت لهم فإن المعاصى يجر بعضها إلى بعض كالطاعة وقيل استزلهم بذنوب سبقت منهم وكرهوا القتل قبل إخلاص التوبة والخروج من المظلمة (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) لتوبتهم واعتذارهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للذنوب (حَلِيمٌ) لا يعاجل بعقوبة المذنب ليتوب والجملة تعليل لما قبلها على سبيل التحقيق وفى إظهار الجلالة تربية للمهابة وتأكيد للتعليل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) وهم المنافقون القائلون لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا ههنا وإنما ذكر فى صدر الصلة كفرهم تصريحا بمباينة حالهم لحال المؤمنين وتنفيرا عن مماثلتهم أثر ذى أثير وقوله تعالى (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) تعيين لوجه الشبه والمماثلة التى نهوا عنها أى قالوا لأجلهم وفى حقهم ومعنى أخوتهم اتفاقهم نسبا أو مذهبا (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) أى سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها وإيثار إذا المفيدة لمعنى الاستقبال على إذ المفيدة لمعنى المضى لحكاية الحال الماضية إذ المراد بها الزمان المستمر المنتظم للحال الذى عليه يدور أمر استحضار الصورة. قال الزجاج إذا ههنا تنوب عما مضى من الزمان وما يستقبل يعنى أنها لمجرد الوقت أو يقصد بها الاستمرار وظرفيتها لقولهم إنما هى باعتبار ما وقع فيها بل التحقيق أنها ظرف له لا لقولهم كأنه قيل قالوا لأجل ما أصاب إخوانهم حين ضربوا الخ (أَوْ كانُوا) أى إخوانهم (غُزًّى) جمع غاز كعفى جمع عاف قال [ومغبرة الآفاق خاشعة الصوى لها قلب عفى الحياض أجون] وقرىء بتخفيف الزاى على حذف التاء من غزاة وإفراد كونهم غزاة بالذكر مع اندراجه تحت الضرب فى الأرض لأنه المقصود بيانه فى المقام وذكر الضرب فى الأرض توطئة له وتقديمه لكثرة وقوعه على أنه قد يوجد بدون الضرب فى الأرض إذ المراد به السفر البعيد وإنما لم يقل أو غزوا للإيذان باستمرار اتصافهم بعنوان كونهم غزاة أو بانقضاء ذلك أى كانوا غزا فيما مضى وقوله تعالى (لَوْ كانُوا عِنْدَنا) أى مقيمين (ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) مفعول ل (قالُوا) ودليل على أن هناك مضمرا قد حذف ثقة به أى إذا ضربوا فى الأرض فماتوا أو كانوا غزا فقتلوا وليس المقصود بالنهى عدم مماثلتهم فى النطق بهذا القول بل فى الاعتقاد بمضمونه والحكم بموجبه كما أنه المنكر على قائليه ألا يرى إلى قوله عزوجل (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) فإنه الذى جعل حسرة فيها قطعا وإليه أشير بذلك كما نقل عن الزجاج أنه إشارة إلى ظنهم أنهم لو لم يحضروا القتال لم يقتلوا وتعلقه بقالوا ليس باعتبار نطقهم بذلك القول بل باعتبار ما فيه من الحكم والاعتقاد واللام