(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٧٠)
____________________________________
الإسناد إلى ضميره عليهالسلام أو ضمير من يحسب وقيل إلى الذين قتلوا والمفعول الأول محذوف لأنه فى الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة والتقدير ولا يحسبنهم الذين قتلوا أمواتا أى لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا على أن المراد من توجيه النهى إليهم تنبيه السامعين على أنهم أحقاء بأن يسلوا بذلك ويبشروا بالحياة الأبدية والكرامة السنية والنعيم المقيم لكن لا فى جميع أوقاتهم بل عند ابتداء القتل إذ بعد تبين حالهم لهم لا يبقى لاعتبار تسليتهم وتبشيرهم فائدة ولا لتنبيه السامعين وتذكيرهم وجه وقرىء قتلوا بالتشديد لكثرة المقتولين (بَلْ أَحْياءٌ) أى بل هم أحياء وقرىء منصوبا أى بل أحسبهم أحياء على أن الحسبان بمعنى اليقين كما فى قوله[حسبت التقى والمجد خير تجارة رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا] أو على أنه وارد على طريق المشاكلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ) فى محل الرفع على أنه خبر ثان للمبتدأ المقدر أو صفة لأحياء أو فى محل النصب على أنه حال من الضمير فى أحياء وقيل هو ظرف لأحياء أو للفعل بعده والمراد بالعندية التقرب والزلفى وفى التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميرهم مزيد تكرمة لهم (يُرْزَقُونَ) أى من الجنة وفيه تأكيد لكونهم أحياء وتحقيق لمعنى حياتهم. قال الإمام الواحدى الأصح فى حياة الشهداء ما روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم من أن أرواحهم فى أجواف طيور خضر وأنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون. وروى عنه عليهالسلام أنه قال لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم فى أجواف طيور خضر تدور فى أنهار الجنة وروى ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح من الجنة حيث شاءت وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة فى ظل العرش وفيه دلالة على أن روح الإنسان جسم لطيف لا يفنى بخراب البدن ولا يتوقف عليه إدراكه وتألمه والتذاذه ومن قال بتجريد النفوس البشرية يقول المراد أن نفوس الشهداء تتمثل طيورا خضرا أو تتعلق بها فتلتذ بما ذكر وقيل المراد أنها تتعلق بالأفلاك والكواكب فتلتذ بذلك وتكتسب زيادة كمال (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والزلفى من الله عزوجل والتمتع بالنعيم المخلد عاجلا (وَيَسْتَبْشِرُونَ) يسرون بالبشارة (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) أى بإخوانهم الذين لم يقتلوا بعد فى سبيل الله فيلحقوا بهم (مِنْ خَلْفِهِمْ) متعلق بيلحقوا والمعنى أنهم بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم أو بمحذوف وقع حالا من فاعل يلحقوا أى لم يلحقوا بهم حال كونهم متخلفين عنهم باقين فى الدنيا (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بدل من الذين بدل اشتمال مبين لكون استبشارهم بحال إخوانهم لا بذواتهم وأن هى المخففة من أن واسمها ضمير الشأن المحذوف وخبرها الجملة المنفية أى ويستبشرون بما تبين لهم من حسن حال إخوانهم الذين تركوهم وهو أنهم عند قتلهم يفوزون بحياة أبدية لا يكدرها خوف وقوع محذور ولا حزن فوات مطلوب أو لا خوف عليهم فى الدنيا من القتل فإنه عين الحياة التى يجب أن يرغب فيها فضلا