(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩)
____________________________________
الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم أو فى المفعول الأول أى لا تحسبن حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم ومعنى التفضيل باعتبار زعمهم (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) استئناف مبين لحكمة الإملاء وما كافة واللام لام الإرادة وعند المعتزلة لام العاقبة وقرىء بفتح الهمزة ههنا على إيقاع الفعل عليه وكسرها فيما سبق على أنه اعتراض بين الفعل ومعموله مفيد لمزيد الاعتناء بإبطال الحسبان ورده على معنى لا يحسبن الكافرون أن إملاءنا لهم لازدياد الإثم حسبما هو شأنهم بل إنما هو لتلافى ما فرط منهم بالتوبة والدخول فى الإيمان (وَلَهُمْ) فى الآخرة (عَذابٌ مُهِينٌ) لما تضمن الإملاء التمتيع بطيبات الدنيا وزينتها وذلك مما يستدعى التعزز والتجبر وصف عذابهم بالإهانة ليكون جزاؤهم جزاء وفاقا والجملة إما مبتدأة مبينة لحالهم فى الآخرة إثر بيان حالهم فى الدنيا وإما حال من الواو أى ليزدادوا إثما معدا لهم عذاب مهين وهذا متعين على القراءة الأخيرة (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) كلام مستأنف مسوق لوعده المؤمنين ووعيده المنافقين بالعقوبة الدنيوية التى هى الفضيحة والخزى إثر بيان عقوبتهم الأخروية والمراد بالمؤمنين المخلصون وأما الخطاب فقد قيل إنه لجمهور المصدقين من أهل الإخلاص وأهل النفاق ففيه التفات فى ضمن التلوين والمراد بما هم عليه اختلاط بعضهم بعضا واستواؤهم فى إجراء أحكام الإسلام عليهم إذ هو القدر المشترك بين الفريقين وقيل إنه للكفار والمنافقين وهو قول ابن عباس والضحاك ومقاتل والكلبى وأكثر المفسرين ففيه تلوين فقط ولعل المنافقين عطف تفسيرى للكفار وإلا فلا شركة بين المؤمنين والمنافقين فى أمر من الأمور والمراد بما هم عليه ما مر من القدر المشترك فإنه كما يجوز نسبته إلى الفريقين معا يجوز نسبته إلى كل منهما لا الكفر والنفاق كما قيل فإن المؤمنين ما كانوا مشاركين لهم فى ذلك حتى لا يتركوا عليه وقيل إنه للمؤمنين خاصة وهو قول أكثر أهل المعانى ففيه تلوين والتفات كما مر والتعرض لإيمانهم قبل الخطاب للإشعار بعلة الحكم والمراد بما هم عليه ما مر غير مرة والأول هو الأقرب وإليه جنح المحققون من أهل التفسير لكونه صريحا فى كون المراد بما هم عليه ما ذكر من القدر المشترك بين الفريقين من حيث هو مشترك بينهما بخلاف القولين الأخيرين فإنهما بمعزل من ذلك كيف لا والمفهوم مما عليه المنافقين هو الكفر والنفاق ومما عليه المؤمنون هو الإيمان والإخلاص لا القدر المشترك بينهما ولئن فهم ذلك فإنما يفهم من حيث الانتساب إلى أحدهما لا من حيث الانتساب إليهما معا وعليه يدور أمر الاختلاط المحوج إلى الإفراز واللام فى ليذر إما متعلقة بالخبر المقدر لكان كما هو رأى البصرية وانتصاب الفعل بعدها بأن المقدرة أى ما كان الله مريدا أو متصديا لأن يذر المؤمنين الخ ففى توجيه النفى إلى إرادة الفعل تأكيد ومبالغة ليست فى توجيهه إلى نفسه