(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٧٨)
____________________________________
عمومه بأن يراد بالاشتراء المذكور القدر المشترك الشامل للمعنيين المذكورين ولأخذ الكفر بدلا مما نزل منزلة نفس الإيمان من الاستعداد القريب له الحاصل بمشاهدة الوحى الناطق وملاحظة الدلائل المنصوبة فى الآفاق والأنفس كما هو دأب جميع الكفرة فالجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقرير القواعد الكلية لما اندرج تحتها من جزئيات الأحكام هذا وقد جوز كون الموصول الأول عاما للكفار والثانى خاصا بالمعهودين وأنت خبير بأنه مع خلوه عن النكت المذكورة مما لا يليق بفخامة شأن التنزيل لما أن صدور المسارعة فى الكفر بالمعنى المذكور وكونها مظنة لإيراث الحزن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كما يفهم من النهى عنه إنما يتصور ممن علم اتصافه بها وأما من لا يعرف حاله من الكفرة الكائنين فى الأماكن البعيدة فإسناد المسارعة المذكورة إليهم باعتبار كونها من مبادى حزنه عليهالسلام مما لا وجه له وقوله تعالى (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) جملة مبتدأة مبينة لكمال فظاعة عذابهم بذكر غاية إيلامه بعد ذكر نهاية عظمه. قيل لما جرت العادة باغتباط المشترى بما اشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) عطف على قوله تعالى (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ) الآية والفعل مسند إلى الموصول وأن بما فى حيزها سادة مسد مفعوليه عند سيبويه لتمام المقصود بها وهو تعلق الفعل القلبى بالنسبة بين المبتدأ والخبر أو مسد أحدهما والآخر محذوف عند الأخفش وما مصدرية أو موصولة حذف عائدها ووصلها فى الكتابة لاتباع الإمام أى لا يحسبن الكافرون أن إملاءنا لهم أو أن ما نمليه لهم خير لأنفسهم أو لا يحسبن الكافرون خيرية إملائنا لهم أو خيرية ما نمليه لهم ثابتة أو واقعة ومآله نهيهم عن السرور بظاهر إملائه تعالى لهم بناء على حسبان خيريته لهم وتحسيرهم ببيان أنه شربحت وضرر محض كما أن مآل المعطوف عليه نهى الرسول صلىاللهعليهوسلم عن الحزن بظاهر حال الكفرة بناء على توهم الضرر من قبلهم وتسليته عليهالسلام ببيان عجزهم عن ذلك بالكلية والمراد بالموصول إما جنس الكفرة فيندرج تحت حكمه الكلى أحكام المعهودين اندراجا أوليا وإما المعهودون خاصة فإيثار الإظهار على الإضمار لرعاية المقارنة الدائمة بين الصلة وبين الإملاء الذى هو عبارة عن إمهالهم وتخليتهم وشأنهم دهرا طويلا فإن المقارن له دائما إنما هو الكفر المستمر لا المسارعة المذكورة ولا الاشتراء المذكور فإنهما من الأحوال المتجددة المنقضية فى تضاعيف الكفر المستمر وقرىء لا تحسبن بالتاء والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو الأنسب بمقام التسلية أو لكل من يتأتى منه الحسبان قصدا إلى إشاعة فظاعة حالهم والموصول مفعول وإنما نملى لهم إما بدل منه وحيث كان التعويل على البدل وهو ساد مسد المفعولين كما فى قوله تعالى (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) اقتصر على مفعول واحد كما فى قولك جعلت المتاع بعضه فوق بعض وإما مفعول ثان بتقدير مضاف إما فيه أى لا تحسبن