(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٧)
____________________________________
النهى عن التأثير نهى عن التأثر بأصله ونفى له بالمرة وقد يوجه النهى إلى اللازم والمراد هو النهى عن الملزوم كما فى قولك لا أرينك ههنا وقرأ لا يحزنك من أحزن المنقول من حزن بكسر الزاى والمعنى واحد وقيل معنى حزنه جعل فيه حزنا كما فى دهنه أى جعل فيه دهنا ومعنى أحزنه جعله حزينا وقيل معنى حزنه أحدث له الحزن ومعنى أحزنه عرضه للحزن (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) تعليل للنهى وتكميل للتسلية بتحقيق نفى ضررهم أبدا أى لن يضروا بذلك أولياء الله البتة وتعليق نفى الضرر به تعالى لتشريفهم والإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه وفيه مزيد مبالغة فى التسلية وقوله تعالى (شَيْئاً) فى حيز النصب على المصدرية أى شيئا من الضرر والتنكير لتأكيد ما فيه من القلة والحقارة وقيل على نزع الجار أى بشىء ما أصلا وقيل المعنى لن ينقصوا بذلك من ملكه تعالى وسلطانه شيئا كما روى أبو ذر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال يقول الله تعالى لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا ولو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا والأول هو الأنسب بمقام التسلية والتعليل (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ) استئناف مبين لسرابتلائهم بما هم فيه من الانهماك فى الكفر وفى ذكر الارادة من الإيذان بكمال خلوص الداعى إلى حرمانهم وتعذيبهم حيث تعلقت بهما إرادة أرحم الراحمين ما لا يخفى وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها أى يريد الله بذلك أن لا يجعل لهم فى الآخرة حظا من الثواب ولذلك تركهم فى طغيانهم يعمهون إلى أن يهلكوا على الكفر (وَلَهُمْ) مع ذلك الحرمان الكلى (عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره قيل لما دلت المسارعة فى الشىء على عظم شأنه وجلالة قدره عند المسارع وصف عذابه بالعظم رعاية للمناسبة وتنبيها على حقارة ما سارعوا فيه وخساسته فى نفسه والجملة إما مبتدأة مبينة لحظهم من العقاب إثر بيان أن لا شىء لهم من الثواب وإما حال من الضمير فى لهم أى يريد الله حرمانهم من الثواب معدا لهم عذاب عظيم (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) أى أخذوه بدلا منه رغبة فيما أخذوه وإعراضا عما تركوه وقد مر تحقيق القول فى هذه الاستعارة فى تفسير قوله عزوجل (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) مستوفى (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) تفسيره كما مر غير أن فيه تعريضا ظاهرا باقتصار الضرر عليهم كأنه قيل وإنما يضرون أنفسهم فإن جعل الموصول عبارة عن المسارعين المعهودين بأن يراد باشتراء الكفر بالإيمان إيثاره عليه إما بأخذه بدلا من الإيمان الحاصل بالفعل كما هو حال المرتدين أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله فى التوراة كما هو شأن اليهود ومنافقيهم فالتكرير لتقرير الحكم وتأكيده ببيان علته بتغيير عنوان الموضوع فإن ما ذكر فى حيز الصلة من الاشتراء المذكور صريح فى لحوق ضرره بأنفسهم وعدم تعديه إلى غيرهم أصلا كيف لا وهو علم فى الخسران الكلى والحرمان الأبدى دال على كمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم ورزانة الرأى ورصانة التدبير من مضارة حزب الله تعالى وهى أعز من الأبلق الفرد وأمنع من عقاب الجو وإن أجرى الموصول على