(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١٧٦)
____________________________________
بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب فى الدين وإظهار الجراءة على العدو وحفظهم عن كل ما يسوءهم مع إصابة النفع الجليل وفيه تحسير لمن تخلف عنهم وإظهار لخطأ رأيهم حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء وروى أنهم قالوا هل يكون هذا غزوا فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو ورضى عنهم (إِنَّما ذلِكُمُ) إشارة إلى المثبط أو إلى من حمله على التثبيط والخطاب للمؤمنين وهو مبتدأ وقوله تعالى (الشَّيْطانُ) إما خبره وقوله تعالى (يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) جملة مستأنفة مبينة لشيطنته أو حال كما فى قوله تعالى (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) الخ وإما صفته والجملة خبره ويجوز أن تكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف أى إنما ذلكم قول الشيطان أى إبليس والمستكن فى يخوف إما المقدر وإما الشيطان بحذف الراجع إلى المقدر أى يخوف به والمراد بأوليائه إما أبو سفيان وأصحابه فالمفعول الأول محذوف أى يخوفكم أولياءه كما هو قراءة ابن عباس وابن مسعود ويؤيده قوله تعالى (فَلا تَخافُوهُمْ) أى أولياءه (وَخافُونِ) فى مخالفة أمرى وإما القاعدون فالمفعول الثانى محذوف أى يخوفهم الخروج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والضمير البارز فى فلا تخافوهم للناس الثانى أى فلا تخافوهم فتقعدوا عن القتال وتجبنوا وخافونى فجاهدوا مع رسولى وسارعوا إلى ما يأمركم به والخطاب لفريقى الخارجين والقاعدين والفاء لترتيب النهى أو الانتهاء على ما قبلها فإن كون المخوف شيطانا مما يوجب عدم الخوف والنهى عنه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فإن الإيمان يقتضى إيثار خوف الله تعالى على خوف غيره ويستدعى الأمن من شر الشيطان وأوليائه (وَلا يَحْزُنْكَ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لتشريفه بتخصيصه بالتسلية والإيذان بأصالته فى تدبير أمور الدين والاهتمام بشئونه (الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) أى يقعون فيه سريعا لغاية حرصهم عليه وشدة رغبتهم فيه وإيثار كلمة فى على ما وقع فى قوله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ) الآية للإشعار باستقرارهم فى الكفر ودوام ملابستهم له فى مبدأ المسارعة ومنتهاها كما فى قوله تعالى (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) فإن ذلك مؤذن بملابستهم للخيرات وتقلبهم فى فنونها فى طرفى المسارعة وتضاعيفها وأما إيثار كلمة إلى فى قوله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) الخ فلأن المغفرة والجنة منتهى المسارعة وغايتها والمراد بالموصول المنافقون من المتخلفين وطائفة من اليهود حسبما عين فى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) وقيل قوم ارتدوا عن الإسلام والتعبير عنهم بذلك للإشارة بما فى حيز الصلة إلى مظنة وجود المنهى عنه واعترائه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أى لا يحزنوك بمسارعتهم فى الكفر ومبادرتهم إلى تمشية أحكامه ومظاهرتهم لأهله وتوجيه النهى إلى جهتهم مع أن المقصود نهيه عليه الصلاة والسلام عن التأثر منهم للمبالغة فى ذلك لما أن