(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم) (١٧٤)
____________________________________
استبقلوهم من عبد قيس أو نعيم بن مسعود الأشجعى وإطلاق الناس عليه لما أنه من جنسهم وكلامه كلامهم يقال فلان يركب الخيل ويلبس الثياب وماله سوى فرس فرد وغير ثوب واحد أو لأنه انضم إليه ناس من المدينة وأذاعوا كلامه (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) روى أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال عليهالسلام إن شاء الله تعالى فلما كان القابل خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل مر الظهران فألقى الله تعالى فى قلبه الرعب وبداله أن يرجع فمر به ركب من بنى عبد قيس يريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوا المسلمين وقيل لقى نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فسأله ذلك والتزم له عشرا من الإبل وضمنها منه سهيل بن عمرو فخرج نعيم ووجد المسلمين يتجهزون للخروج فقال لهم أتوكم فى دياركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريد أفترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم ففروا فقال عليهالسلام والذى نفسى بيده لأخرجن ولو لم يخرج معى أحد فخرج فى سبعين راكبا كلهم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل. قيل هى الكلمة التى قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين ألقى فى النار (فَزادَهُمْ إِيماناً) الضمير المستكن للمقول أو لمصدر قال أو لفاعله إن أريد به نعيم وحده والمعنى أنهم لم يلتفتوا إلى ذلك بل ثبت به يقينهم بالله تعالى وازداد اطمئنانهم وأظهروا حمية الإسلام وأخلصوا النية عنده وهو دليل على أن الإيمان يتفاوت زيادة ونقصانا فإن ازدياد اليقين بالإلف وكثرة التأمل وتناصر الحجج مما لا ريب فيه ويعضده قول ابن عمر رضى الله عنهما قلنا يا رسول الله الإيمان يزيد وينقص قال نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أى محسبنا الله وكافيا من أحسبه إذا كفاه والدليل على أنه بمعنى المحسب أنه لا يستفيد بالإضافة تعريفا فى قولك هذا رجل حسبك (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أى نعم الموكول إليه والمخصوص بالمدح محذوف أى الله عزوجل (فَانْقَلَبُوا) عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أى فخرجوا إليهم ووافوا الموعد. روى أنه عليه الصلاة والسلام وافى بجيشه بدرا وأقام بها ثمانى ليال وكانت معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا كثيرا والباء فى قوله تعالى (بِنِعْمَةٍ) متعلقة بمحذوف وقع حالا من الضمير فى فانقلبوا والتنوين للتفخيم أى فرجعوا من مقصدهم ملتبسين بنعمة عظيمة لا يقادر قدرها وقوله عزوجل (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف وقع صفة لنعمة مؤكدة لفخامتها الذاتية التى يفيدها التنكير بالفخامة الإضافية أى كائنة من الله تعالى وهى العافية والثبات على الإيمان والزيادة فيه وحذر العدو منهم (وَفَضْلٍ) أى ربح فى التجارة وتنكيره أيضا للتفخيم (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) حال أخرى من الضمير فى فانقلبوا أو من المستكن فى الحال كأنه قيل منعمين حال كونهم سالمين عن السوء والحال إذا كان مضارعا منفيا بلم وفيه ضمير ذى الحال جاز فيه دخول الواو كما فى قوله تعالى (أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) وعدمه كما فى هذه الآية الكريمة وفى قوله تعالى (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً (وَاتَّبَعُوا) فى كل ما أتوا من قول وفعل (رِضْوانَ اللهِ) الذى هو مناط الفوز بخير الدارين (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) حيث تفضل عليهم