(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٨٠)
____________________________________
فيجعل ذلك عيارا على عقائدكم وشاهدا بضمائركم حتى يعلم بعضكم بما فى قلب بعض بطريق الاستدلال لا من جهة الوقوف على ذات الصدور فإن ذلك مما استأثر الله تعالى به وأنت خيبر بأن الاستدارك باجتباء الرسل المنبئ عن مزيد مزيتهم وفضل معرفتهم على الخلق إثر بيان قصور رتبتهم عن الوقوف على خفايا السرائر صريح فى أن المراد إظهار تلك السرائر بطريق الوحى لا بطريق التكليف بما يؤدى إلى خروج أسرارهم عن رتبة الخفاء وأقرب من ذلك حمل الآية الكريمة على أن تكون مسوقة لبيان الحكمة فى إملائه تعالى للكفرة إثر بيان شريته لهم فالمعنى ما كان الله ليذر المخلصين على الاختلاط أبدا كما تركهم كذلك إلى الآن لسر يقتضيه بل يفرز عنهم المنافقين ولذلك فعله يومئذ حيث خلى الكفرة وشأنهم فأبرز لهم صورة الغلبة فأظهر من فى قلوبهم مرض ما فيها من الخبائث وافتضحوا على رءوس الأشهاد وقيل قال الكافرون إن كان محمد صادقا فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر فنزلت (وَإِنْ تُؤْمِنُوا) أى بما ذكر حق الإيمان (وَتَتَّقُوا) أى عدم مراعاة حقوقه أو النفاق (فَلَكُمْ) بمقابلة ذلك الإيمان والتقوى (أَجْرٌ عَظِيمٌ) لا يبلغ كنهه (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) بيان لحال البخل ووخامة عاقبته وتخطئة لأهله فى توهم خيريته حسب بيان حال الإملاء وإيراد ما بخلوا به بعنوان إيتاء الله تعالى إياه من فضله للمبالغة فى بيان سوء صنيعهم فإن ذلك من موجبات بذله فى سببله كما فى قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) والفعل مسند إلى الموصول والمفعول الأول محذوف لدلالة الصلة عليه وضمير الفصل راجع إليه أى لا يحسبن الباخلون بما آتاهم الله من فضله من غير أن يكون لهم مدخل فيه أو استحقاق له هو خيرا لهم من إنفاقه وقيل الفعل مسند إلى ضمير النبى صلىاللهعليهوسلم أو إلى ضمير من يحسب والمفعول الأول هو الموصول بتقدير مضاف والثانى ما ذكر كما هو كذلك على قراءة الخطاب أى ولا يحسبن بخل الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) التنصيص على شريته لهم مع انفهامها من نفى خيريته للمبالغة فى ذلك والتنوين للتفخيم وقوله تعالى (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) بيان لكيفية شريته أى سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق على أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه للإيذان بكمال المناسبة بينهما وروى عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال ما من رجل لا يؤدى زكاة ماله إلا جعل الله له شجاعا فى عنقه يوم القيامة وقيل يجعل ما بخل به من الزكاة حية فى عنقه تنهشه من قرنه إلى قدمه وتنقر رأسه وتقول أنا مالك (وَلِلَّهِ) وحده لا لأحد غيره استقلالا أو اشتراكا (مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى ما يتوارثه أهلهما من مال وغيره من الرسالات التى يتوارثها أهل السموات والأرض فما لهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه فى سبيله أو أنه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه فى سبيله تعالى عند هلاكهم وتبقى عليهم الحسرة والندامة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من المنع والبخل (خَبِيرٌ) فيجازيكم على ذلك وإظهار الاسم الجليل فى موضع الإضمار